أسوار المدينة
كنت صغيراً , في قريتي الصغيرة , أسير حيث تشتهي عاطفتي .
تلك العاطفة العنيفة التي تحطم كل ما يمكن أن يعترض طريقها .
أتحرك كطائراً لا تحجبه حدود ولا تمنعه قوانين .
كنت صغيراً في قرية يسكنها النبلاء واليوم بعد مضي الأيام والسنين
لم أعد صغيراً ولا في قريتي الصغيرة , بل محنط بالحزن داخل أسوار
يطلقون عليها إسمُ مدينة , فلم أعد اسمع أصوات بلابل مغرّدة ,
فقط أسمع أنفاس خنقتها الصدور وآهات تعتريها النار المستعرة.
أصبحت الابتسامات باهتة وشفاه يكبوها الشحوب , والأهداب تعانقها
الأحزان , والخدود تغذيها دموع المعاناة والأسى .
أما العيون فتوجد بها كل قصائد الشعر البائسة والخائفة من المجهول .
ذلك المجهول الذي زرع بداخلي أن الشعور بالنبل لا فائدة منه .
وأسكن بوجداني أن العاطفة خطيئة لا تغتفر والطيبة حماقة لا مبرر لها .
فالكل هنا يغلف سكنا ته قبل حركاته بالحذر ويقصقص أظافره قبل
أن يقصقصها الندم . فقدت شعور الاستقرار أصبحت أعيش حالة من
الانشطار بين ذكريات الماضي وهموم الحاضر..