ابن القيم رحمه الله ذكر في الجهاد ثلاثة عشرة مرتبة، جهاد النفس أربع مراتب، وجهاد الشيطان مرتبتان، وجهاد الكفار أربع مراتب، وجهاد الظالمين والمبتدعين والفسقة ثلاث مراتب، النبي صلى الله عليه وسلم كان حظه الأوفى من هذه المراتب كلها، جاهد نفسه وراضها في سبيل الله، ليكون خلقه القرآن كما وصفته عائشة، فلابد أنه كان ممن تحقق فيهم قول الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) جاهد نفسه الأمارة بالسوء حتى أصبحت نفساً لوامة ثم نفساً راضية مطمئنة، يا أيتها النفس المطمئنة، كانت نفسه نفساً مطمئنة، باليقين بالله، بعد طول جهاده لنفسه، منذ كان شاباً بل منذ كان صبياً لم يعرف عنه أنه ذهب في ما يدخل فيه أهل الجاهلية لم يسجد لصنم ولم يشرب خمراً ولم يشارك في لهو الجاهلية، بل كان إنساناً صنع على عين الله، واصطنعه الله لنفسه واصطفاه من بين خلقه فربي تربية خاصة، أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلمه فأكمل تعليمه، وأعده للرسالة العظمى، (ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى) هداه الله وهو في حيرة الجاهلية، استخرجه الله من براثن الجاهلية ليعده ليكون الرسول الأعظم يكون حامل الرسالة العامة الخالدة إلى البشرية إلى أن تقوم الساعة، جاهد نفسه في الله وجاهد شيطانه، حتى أسلم شيطانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما من أحد منكم إلا وله شيطان، قالوا حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمر إلا بخير" حتى الشيطان استجاب له وأطاعه وأصبح لا يأمره إلا بخير، أصبح ينبوعاً من ينابيع الخير يتدفق بالهدى في كل مجال وعن يمين وشمال، هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، جاهد نفسه في الله، وجاهد شيطانه في الله، وجاهد المشركين والمنافقين كما أمره ربه (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).
جاهد الكفار بنفسه، وجاهدهم بماله وجاهدهم بلسانه وجاهدهم بيده، بكل أنواع الجهاد، قال الله تعالى له وهو في مكة في سورة الفرقان (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً فلا تطع الكافرين وجاهدهم به) – أي بالقرآن – (جهاداً كبيراً)، هذا الجهاد الكبير هو جهاد الدعوة والبيان والتبليغ عن الله عز وجل ولا تظنوا أن هذا كان أمراً سهلاً، إن مجابهة مجتمع وثني مصرّ على الوثنية مقتنع بما كان عليه الآباء والأجداد لا يحاول أن يمتحن ما كانوا عليه، (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون).