اللحظة الأولى : الخلق
للأسف ... أنا لا أملك مساحة من الإبداع تسمح لي بتعريف نفسي ...
فما أنا إلا رصاصة ..
رصاصة ككل رصاصة صنعتها المعامل الأمريكية والبريطانية والصهيونية...
لدي كل عيوب ومحاسن كل رصاصة آخرى..
نفس البروزات ..
والإنحناءات ..
رصاصة كمليار رصاصة أخرى ..
لا يميزني عنهن شيء ...
ولا يميزهن عني شيء ...
هدفي في الحياة؟؟!!!!
ومن قال لك بأن لدي هدف في الحياة ؟!! أنا لم أخلق كي أملك هدفاً خاصاً بي في الحياة ..
لا تطالبوني بما يفوق طاقة الرصاص من المعرفة ..!!!
أنا أرقد في رحم البندقية الباردة .. انتظر وصول الأوامر ...
الاوامر هي من تحدد لي أهدافي في الحياة ...
رصاصة بلا هدف.
***
اللحظة الثانية : الأمر
وصلت الاوامر .. وحان وقت الإنطلاق ...
آلة ما تضرب آله أخرى ما كي تستثير البارود البارد المطمور في ذيلي ...
حسناً .. كي أكون صريحة معكم .. يجب أن أخبركم بأنني لم أكن كغيري من العاديين أريد أن أترك لشآني ...
ولكنني ـ أيضاً ـ لم أرد أن أفعل شيئاً ...
أنا مخلوق بلا قضية ....
هذا إن جاز تسميتي مخلوقاً من الأصل.
رصاصة بلا قضية.
***
اللحظة الثالثة : الحقيقة.
أغادر فوهة البندقية وأنا أدور حول نفسي لولبياً بلا أي مشاعر ...
أبدأ رحلة العمر القصيرة التي يجب أن أبدأها كما علموني ..
رحلة كنيزك يحترق على الغلاف الجوي ويتحول بمعجزة ما إلى شهاب.
رحلة أقضيها في مسار محدد هو تاريخ حياتي .. يبدأ مع فوهة البندقية وينتهي ـ إن كنت رصاصة محظوظة ـ في جسد الضحية الميت..
أنا مخلوق مستقيم لا يحيد عن الدرب الذي صنع له ...
ذلك الدرب الذي قدر لي والذي ينتهي مع هدفي ...
وتلمع في جنباتي الحقيقة ...
هدفي فتى في العاشرة من عمره .. !!!
رصاصة غير قادرة على الفهم.
***
اللحظة الرابعة : الهدف
فتى في العاشرة من عمره هو هدفي ..!!
ليس مجرماً قتل ملايين ويستحق رصاصة .. ليس معتدياً محتلاً ويستحق رصاصة .. ليس حيواناً أعجمياً يستخدم مخالبه وأنيابه في الموت ويستحق رصاصة ...
بل طفل ...
طفل في العاشرة من عمره ...
ماذا فعل هذا الطفل ؟؟ من قتل ؟؟ بماذا أجرم ؟؟!! لماذا أنا دون غيري من ملايين الرصاصات أكون ملاك الموت لهذا الملاك البرئ ...؟!! إنهن مليار رصاصة لا يميزهن عني شيء ولا يميزني عنهن شيء ..!!!
لا .. لا .. لا .. لا أريد أن يكون هذا هو هدفي ...
لم أعد أريد أن أسمع الأوامر ...
لم أعد مخلوقاً دون قضية ...
أريد أن أترك وشآني ...
أريد ألا يكون هذا الطفل هو هدفي ...
دموعي لا تخفف من سرعتي .. مقاومتي لا معنى لها .. العينين الصافيتين لطفل لا يفهم معنى الرصاصة ترنوان إلي ....
ترمقانني بنظرة حب غريبة ...
لا ...!!!!!!
رصاصة باكية.
***
اللحظة الأخيرة : الموت
استقبلني قلب الفتى بهدوء ..
بعفوية ..
بكل رقة ...
سكب علي الدم عربون إتحاد أبدي ...
إتحاد حتى الموت ...
وماتت الحرارة تدريجياً من حولي ...
وتوقفت دقات الحياة ..
وساد السكون المكان الميت ...
اسمع بكاءاً لا أعرف من أين ...
أحس بدموع لا أدري مصدرها ...
لقد أنتهت حياتي ...
قتلت الطفل ..
وقتلت نفسي ....
رصاصة متوفاة.