http://www.kacnd.org/leqaa_details.asp?m_id=23
فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة , الداعية المعروف , شارك في اللقاءين الأول والثاني للحوار الوطني , وخرج منها بعدد من الملاحظات المهمة طرحها في شكل تساؤلات لم يجب عنها , واعتبر هذه التساؤلات والملاحظات جزءاً من هذا الحوار , مؤكداً أهمية تجربة الحوار وضروريتها , ومشيراً إلى روح المودة والصداقة والمكاشفة التي سادت اللقاءين الأول والثاني من الحوار الوطني , معتبراً أن الحوار ينطلق من شأن داخلي وذاتي ولا علاقة له بالخارج , وأن استمراريته أمر مهم بعد أن تحول الحوار إلى لغة عالمية بين الدول والشعوب وزاد من أهميته هذا الانفتاح الإعلامي الذي حول العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة..
وقد جاءت هذه التساؤلات حول الحوار الوطني ضمن المحاضرة التي ألقاها الدكتور العودة مؤخراً بجامعة الملك فيصل بالدمام.
ماذا يعنى الحوار؟
توقف المحاضر في بداية حديثه عند معنى الحوار , مؤكداً أن الحوار مبدأ أصيل في الإسلام وهو ما دلت عليه النصوص والسيرة سواء جاء بلفظ الحوار أو المجادلة , مشدداً على أن الحوار لابد أن تكون منطلقاته شرعية وألا يمس القضايا القطعية.
وتوقف فضيلة الشيخ الدكتور العودة مرة أخرى عند كلمة (( الوطني )) بعد أن أبان وأفاض حول كلمة الحوار. يقول البعض عن الإسلاميين: قد يكون لديهم توجس من كلمة وطن ووطنية , وهذا إن وجد ليس له مبرر وربما كان ذلك في السابق بسبب غلو بعض القوميين في فترة مضت لتقديم العروبة أو الوطن بديلاً عن الانتماء الإسلامي , وكم كنا نسمع من يقول شعراً:
وطنـي لـو صـوروه لـي وثنـاً
لهممت ألثم ذلك الوثنا
أو الآخر الذي يقول:
وطنـي لـو شغـلت بالخـلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وكان الكثير منهم يتعلق بالعروبة أو القومية أو الوطني ويقدمونها بديلاً عن الإسلام والانتماء للأمة الإسلامية وهذا معنى وموطن للوطن والوطنية.
وكلمة الوطن أو الوطنية لا تعنى هذا بالضرورة وإنما تعني القوم الذين يعيشون في بلد واحد وفق أسس وقواسم مشتركة , قد يكون منها الدين.
والشريعة جاءت بهذا المعنى , فعلى سبيل المثال: حقوق الجار في القران والسنة , التي جاءت الشريعة بإقرارها وصنف فيها العلماء الكثير من المؤلفات , فهذا تأكيد على حق القريب منك قرابة وسكناً وجواراً فهو أولى من حق البعيد , ولهذا عندما تكلم العلماء في الزكاة فهم يرون عدم نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر إلا إذا استغنى البلد الذي تخرج فيه الزكاة , فالدائرة القريبة منك لها حق أكثر من البعيدة وهذا المعنى يجعلك تعطي القريب حقاً مضاعفاً , لكن لا يجعلك تبخس حق البعيد , فالمسلم حتى لو لم يكن من بلدك أو وطنك له حق الود وحفظ القدر واحترام انتمائه , حتى لا يتحول الأمر إلى عنصرية بين الشعوب المسلمة , وهو ما نراه يحدث بكل أسف عندما تحدث خلافات وصراعات في المنطقة الواحدة فأن ذلك قد ينعكس على الشعوب نفسها وبكل أسف , أن بعض البرامج الإعلامية في عالمنا العربي والإسلامي تلعب على هذا الوتر وتغذي العصبية للبلد أو الجنس أو المذهب , وينبغي تجنب ذلك , ولا بد للمسلم أن يشعر أن بلاد الإسلام كلها وطن له وهذا لا يمنع – كما سبق القول – أن يكون لكل جماعة قريبة وطن يشعر الجميع له بالانتماء والحب والعمل من أجله نصرة وتقدماً وتطوراً ونهوضاً.
إن الحاجة أصبحت ماسة , خصوصاً في ظل التداعيات التي تعيشها الأمة , إلى اللقاء بينها والحوار حتى تتمكن الدول الإسلامية من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بقدر من الاتفاق والوحدة والقواسم المشتركة.
حوار حول الحوار
لقد شاركت في الحوار الوطني الأول والثاني. ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يستطيع أن يشكل تصوراً نهائياً.. لقد أعلنت الدولة الحوار واهتمت به اهتماماً كبيراً وخلال ستة أشهر تحول الحوار إلى مركز وطني للحوار وهو مبدأ وبداية طيبة ينبغي أن نسر به ونستبشر به , فغياب الحوار عن أي مجتمع يشكل كارثة وأعتقد أن الدولة عندما أعلنت مبدأ الحوار أنها توافق حتى على نقد هذا الحوار , لأن الحوار معناه الاختلاف , معناه التنوع... وهو يعني أن هناك أكثر من رأي. وحتى حول الحوار يمكن أن يختلف الناس حوله فيؤيده البعض ويعارضه آخرون ويتحفظ البعض الثالث ويطرح آخرون تساؤلات تتطلب الإجابة عليها... فهذه هي دائرة الحوار.. حوار حول قضايا بعينها وحوار حول الحوار فهذه لا تشكل أي إشكالية , بل هي جزء من عملية الحوار التي انطلقت في هذه البلاد وشجعها ودعمها ولاة الأمر – يحفظهم الله.
الحوار.. لماذا وكيف؟
ويطرح الدكتور العودة سؤالاً مهماً ألا وهو.. لماذا الحوار؟
ويجيب على السؤال بقوله:
أولاً: الحوار لا بد أن ينطلق من حاجة داخلية ذاتية وليس من الخارج.
وثانياً: أعتقد أن الحوار يجب ألا يكون مربوطاً بأزمة عارضة أو بظرف مؤقت. على سبيل المثال: من الخطأ أن يتصور البعض أن الحوار مرتبط بظاهرة العنف التي وجدت عند بعض شباب المسلمين وإذا توقفت أو انتهت الظاهرة فمعنى ذلك أن يتوقف الحوار.
الحوار يفترض انه مستمر ويعالج قضايا عميقة في المجتمع وتطلعات الناس ورغباتهم ويجيب عن أسئلتهم حتى الأمور المعاشية القريبة.
ثالثاً: فيما يتعلق بمنطلقات الحوار ومرجعيته من الميزات العظيمة التي من الله تعالى بها على هذا البلد بالذات أنه بلد إسلامي وأن الناس فيه مسلمون مئة في المئة وهذه قضية تؤكد على أهمية مرجعية الحوار وأن تكون هذه المرجعية هي الكتاب والسنة بمقتضى لغة العرب التي يفهمونها وأن ضروريات الدين وقطعياته وأصوله العامة المحكمة والمتفق عليها أن تكون هي مرجعية هذا الحوار, لا أن يكون الحوار حول هذه القضايا. وهنا لا يهمنا ما عليه باطن الإنسان فإن الأمر المطلوب هو ما يظهر من الإنسان , وأما البواطن منها فهي إلى الله تبارك وتعالى.
رابعاً: هل الحوار هو بين طوائف داخل المجتمع؟ أم هو حوار بين اتجاهات فكرية؟ أم هو حوار بين مناطق مختلفة؟ أم هو حوار بين تجمعات حزبية؟ أم هو نسيج من ذلك كله؟ الذي يظهر لي بما رأيت أن الأمر ليس واضحاً حتى الآن , فالحوار الأول كان معظم المشاركين أو قل كلهم إن شئت من أصحاب الاتجاهات الدينية. لكن في الحوار الثاني تغيرت تشكيله المشاركين في الحوار..
كذلك السؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل الدولة طرف في هذا الحوار الجاري؟ الذي يظهر لي أن الدولة وإن كانت هي التي نظمت هذا الحوار وأطلقت شرارته الأولى , إلا أنه ليس هناك تمثيل للدولة في هذا الحوار , وكما يقول البعض: إن هذا ربما أعطى المتحاورين الحرية في تناول القضايا المطروحة بكل شفافية , وبالفعل كان هناك قدر كبير من الشفافية..
ولكن في تقديري أنه ينبغي أن يكون هناك حضور للدولة في هذا الحوار , ولا بد أن يكون لها تمثيل فإن وجود الدولة من خلال مشاركين ممثلين يعطي الحوار أهمية كبيرة ويعطي توصيات الحوار معنى إضافياً..
لقد بدأ الحوار كما يظهر كأنه حوار النخب من العلماء والدعاة والكتاب والإعلاميين والمثقفين وهذا ما يجعل هناك سؤالاً مطروحاً عن مكان المواطن العادي في هذا الحوار. وهذا قد لا يهمه كثيراً الحوار حول القضايا الفكرية والثقافية , بقدر ما يهمه الحوار حول قضاياه الذاتية التي قد تكون دراسة في الجامعة أو طلب وظيفة أو توفير مسكن أو إعانة على الزواج وغير ذلك من القضايا.
خامساً: كيف يتم الحوار الوطني؟ الذي يبدو حتى الآن أنه يجري عبر ما يمكن أن نسميه نظام المؤتمرات أو اللقاءات , فقد عقد اللقاء الأول في الرياض ثم اللقاء الثاني في مكة المكرمة ويعقد اللقاء الثالث في المدينة المنورة.
اللقاء الأول ربما عالج كل القضايا فلم يكن يترك قضية إلا وتم النقاش حولها من خلال جلسة واحدة. بينما في اللقاء الثاني: تم أخذ قضية واحدة مما عولج في اللقاء الأول وأعاد النقاش حولها بشكل أكبر وأدق من خلال بحوث ودراسات وجلسات مخصصة وتوصيات معينة , وهو موضوع ( الغلو والاعتدال: رؤية شرعية ).
أما اللقاء الثالث: كما قرأنا , فهو مثل ذلك سيعالج قضية أو قضيتين مما طرح في اللقاء الأول وهما قضية المرأة والتعليم.