كتب عمرو سلمان : هل يمكن أن يصبح بن لادن سببا في الإطاحة بحكومة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ؟ وهل يمكن أن يغدو الصخرة التي يتحطم عليها المستقبل السياسي الذي ينتظر قادة البنتاجون بعد انتهاء حرب أفغانستان ؟ وهل ينجح في الإطاحة بمختلف الأحلام الوردية لقادة مختلف أجهزة الاستخبارات الأمريكية ، بل والإطاحة بهم من مناصبهم ؟ والأكثر من ذلك هل من الممكن أن يصير بن لادن سببا في فضح أجهزة الإعلام الأمريكي وكشف تزييفها للحقائق وتضليلها للمجتمع الأمريكي في شتى قضايا المنطقة العربية والإسلامية ؟ هذه الأسئلة المشروعة ليست ضربا من الخيال ، ولا انفصاما عن حقيقة الأحداث ، ولا حتى انتصارا لطرف على آخر ، بل هي - أولا وأخيرا - مجرد محاولة متأنية لاستكشاف ما يمكن أن تسفر عنه تداعيات الفشل الذريع في اصطياد بن لادن - أو حتى اصطياد أية قيادة من قيادات طالبان وتنظيم القاعدة - حتى الآن . وعلى طريقة " وشهد شاهد من أهلها " ، وحتى لا نتهم بالمبالغة أو المغالاة ، فيكفي أن نشير هنا إلى ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية - نقلا عن مسئولين عسكريين أمريكيين - من أن " الولايات المتحدة أصبحت تواجه موقفا شديد الحرج بسبب فشل جهودها العسكرية حتى الآن في اعتقال أسامة بن لادن بسبب أساليب المراوغة الذكية التي يتبعها ، وبسبب صعوبة المواقع التي يوجد بها وطبيعة التضاريس الجغرافية في أفغانستان " ، مشيرة إلى أنه " رغم استخدام أشد القذائف ضراوة وأكثر المعدات التكنولوجيا تقدما ، فإن بن لادن تمكن من الإفلات من أن يصبح أكبر غنيمة لحكومة الرئيس بوش ، التي وصفته بأنه الهدف الأول - المطلوب حيا أو ميتا - من هجومها ضد أفغانستان " . وأمام هذا الفشل الذريع الذي واجهته أجهزة الاستخبارات الأمريكية في اصطياد بن لادن حيا أو ميتا - وفي محاولة أيضا لتبرير فشلها وحماية مناصبها - لجأت هذه الأجهزة إلى ترويج وتمرير عدة أكاذيب إلى مختلف وسائل الإعلام الأمريكية والغربية من خلال عدة تقارير مختلفة ، زعم إحداها أن بن لادن لقي حتفه في الغارة العسكرية الأخيرة علي كابول بعد أربعة أيام من مقتل أبو حفص المصري ، وأن قيادات طالبان وتنظيم القاعدة تخفي ذلك حتى لا يتسرب اليأس التام إلي بقية قواتهما . أما التقرير الثاني الذي سربته أجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام ، فيزعم أن تلك الأجهزة تعلم كل صغيرة وكبيرة عن تحركات بن لادن وأنصاره - على طريقة معرفة رقم الفانلة الداخلية للرئيس العراقي صدام حسين إبان حرب الخليج الثانية !! - إلا أنها لا ترغب في اصطياده أو قتله ، حتى يكون ذلك ذريعة لبقاء عناصر الاستخبارات والكوماندوز والوحدات الخاصة في أفغانستان لفترة طويلة ، نظرا لأن التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان من الضروري أن يستمر لعدة سنوات لتتمكن القوات الأمريكية الخاصة المرابطة علي الأراضي الأفغانية من القضاء نهائيا علي العناصر الإرهابية الفارة ، وهو ما سيواجه - على حد زعم التقرير - بمصاعب من الحكومة الأفغانية الجديدة في حال تشكيلها !! . ومن الواضح أن تلك التقارير ليست إلا محاولة ساذجة لتبرير الإخفاقات المتتالية لأجهزة الاستخبارات الأمريكية في اصطياد بن لادن ، وإلا فكيف نفسر - من جهة - سعي هذه الاستخبارات المستميت لطلب المساعدة من العديد من أجهزة الاستخبارات التابعة لدول التحالف الدولي ؟! وكيف نفسر - من جهة أخرى - ما أكدته صحيفة واشنطن بوست في هذا السياق ( نقلا عن مصادر فى المخابرات الباكستانية ) بأنه صدرت أوامر للمخابرات الباكستانية ببدء حملة مكثفة لتعقب بن لادن ومعاونيه ، في أعقاب تلقى معلومات عن احتمال فراره إلي داخل باكستان عبر خط الحدود الممتد لمسافة 1400 كيلومتر بين البلدين ، وأن الهدف الرئيسي للحملة هو تحديد مكان بن لادن والسماح للقوات الأمريكية بأن تقوم بالدور القيادي في اعتقاله أو قتله ؟! ولعل أصدق دليل على أكاذيب تلك التقارير المخابراتية ، وأنها ليست إلا محاولة ممجوجة للتغطية على إخفاقاتها المتتالية في الوصول إلى بن لادن ، هو تلك التصريحات العديدة التي رددها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد عن أن مهمة القوات الخاصة الأمريكية هي العثور علي بن لادن والملا عمر وقتلهما والقضاء علي تنظيم القاعدة ، إضافة إلى تأكيدات عدد من مسئولي المخابرات الباكستانية بأن القوات الأمريكية الخاصة فشلت تماما في تجنيد الكثيرين من الأفغان - بمن فيهم المعارضون لطالبان والذين يعتقد بأنه يمكن استئجارهم - من أجل تقديم أية معلومات عن أماكن اختفاء بن لادن أو تحصيناته أو أية معلومات تفضي للإيقاع به . وبعيدا عن تقارير الاستخبارات الأمريكية "المفبركة" ، فإنه من الثابت فشل تلك الاستخبارات - إلى جانب فشل القوات الأمريكية الخاصة بالطبع - في اصطياد بن لادن حتى هذه اللحظة ، وذلك رغم مرور أكثر من 45 يوما كاملة على بدء الحرب الأمريكية الطاحنة ضد أفغانستان ، ورغم سيطرة قوات التحالف الشمالي على أغلب المدن الأفغانية - بما في ذلك العاصمة كابل - وتضييق الخناق على حركة طالبان وتنظيم القاعدة ، بالإضافة إلى فشلهما الذريع في توظيف الإمكانيات التقنية والتكنولوجية الهائلة المسخرة لهما ، والتي تكلفت ملايين الدولارات ، مما يوفر - إلى جانب وقائع ومعطيات أخرى سترد لاحقا - المشروعية الكاملة للتساؤل الذي طرحناه في البداية عن إمكانية نجاح بن لادن في الإطاحة بالأحلام الوردية لقادة مختلف أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإطاحة بهم من مناصبهم ؟ فمن المعروف أن الولايات المتحدة قد حشدت أحدث تكنولوجيا التجسس وأعقد الأسلحة الخفيفة والثقيلة لاصطياد بن لادن والملا عمر والقضاء على تنظيم القاعدة ، فتم - على سبيل المثال - توفير أعداد هائلة من نوع جديد من البنادق تسمى البندقية القناصة ، يمكن أن تدمر الأسلحة الخفيفة من على بعد ميل تقريبا ، ووفرت شركة "آي تي تي" مناظير ليلية تتيح لمن يستخدمها أن يرى لمسافة أبعد وبصورة أكثر وضوحا ، ودون احتياج لأي مصدر للضوء سوى ضوء القمر أو النجوم ، فضلا عن إمداد أفراد القوات الخاصة بأجهزة للتصوير الحراري لا تحتاج لأي ضوء ، ويمكن أن ترى خلال الضباب والدخان - بل ومن خلال الحوائط أيضا - إذا التقطت أي مصدر حراري . كما وفرت الشركات الأمريكية جهازا لتحديد المواقع بحجم جهاز (البيجر) ، يرسل إشارات إلى الأقمار الصناعية بحيث تحدد موقع الشخص الذي أرسل الإشارة ، مما يتيح لجندي القوات الخاصة استخدامه في تحديد موقعه بدقة لا تتجاوز العشرة أمتار ، وكذلك في تحديد مواقع زملائه أثناء عمليات التفتيش في الجبال الأفغانية ، فضلا عن أنه يوفر لجندي العمليات الخاصة أن يحدد أي هدف بأشعة الليزر، ثم يرسل إحداثيات الهدف إلى قاذفة من طراز " بي ـ 2 " ليقوم الطيار بدوره بوضع الإحداثيات في جهاز الكومبيوتر الخاص بقنبلة تبلغ زنتها 2000 رطل ، وفي ظرف دقائق قليلة يكون الهدف قد تحول إلى دخان . كما قامت شركة لوكهيد مارتن بإطلاق قمرين لصالح المكتب القومي للاستطلاعات - وهو هيئة محاطة بسرية بالغة - بحيث يساعدان في المعلومات المتعلقة بالحرب ضد أفغانستان ، إلى جانب إنتاج نظام محمول يلتقط الإشارات التي يصدرها العدو ويحدد مصدرها ، بينما وفرت شركة "بي تي جي" خوذة بها أجهزة اتصال ونظام فيديو يرسل الصور من الميدان إلى القادة في المؤخرة ، فضلا عن برنامج المحارب الأرضي لتزويد الجنود بزي يحتوي على كومبيوتر ونظام للتصوير الحراري واتصال بشبكة معلومات عسكرية . يضاف إلى هذا أنه تم تفرغ 4 أقمار صناعية للتحليق فوق أفغانستان لترصد كل شئ بدقة متناهية طوال 24 ساعة ، وتم تدعيمها بطائرات " رايفيت جوينت " وطائرات " جلوبال هوك " التي تمتاز برؤية ليلية تخترق الضباب والسحاب بسهولة .. كما تم الاستعانة بطائرات بريديتور ( ومعناها المفترس ) ، وهي طائرات تجسس متقدمة للغاية وتحلق بدون طيار ، فضلا عن الاستعانة بالجيل الجديد من طائرات " ساريج " الفرنسية ، التي نجحت بالفعل مؤخرا في تحديد رقم تليفون بن لادن وهو 87361-617932.. . ورغم توافر كل تلك التقنيات الهائلة ، إلا أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والقوات الخاصة فشلت تماما في اصطياد بن لادن أو الملا عمر ، ولم تنجح سوى في اصطياد محمد عاطف الشهير بأبي حفص المصري - القائد العسكري لتنظيم القاعدة - حين تم رصد الفندق الصغير الذي كان فيه بواسطة طائرة بريديتور ، ثم قامت بإرسال الصور - كما ذكرت صحيفة الصنداى تايمز البريطانية - إلى مركز قيادة العمليات في ولاية فلوريدا الأمريكية ، وهناك تم تكبير هذه الصور لمحاولة التعرف علي الأشخاص الذين تم تصويرهم ، ثم أعطيت صور الهدف إلي ثلاث طائرات إف 51 كانت تحلق فوق كابول فانقضت علي الهدف وأطلقت عدة صواريخ ذكية علي المبني فحولته إلي أنقاض .. ورغم ذلك فلم يعرف الأمريكيون أنهم قتلوا أبو حفص المصري إلا بعد يومين عندما خرق أحد أفراد تنظيم القاعدة التعليمات الصارمة واستخدم هاتفا يعمل من خلال الأقمار الصناعية ، ليعلن فقدان القائد العسكري المهم في هذا المبني ، ومن ثم فقد رصدت أجهزة التنصت الأمريكية والبريطانية هذا الاتصال - كما ترصد كل الاتصالات الأخرى التي تتم داخل أفغانستان - وأعلنت نبأ وفاته . ويبدو أن المسئولين الأمريكيين أنفسهم أدركوا مدى الفشل الذريع لأجهزة استخباراتهم ، فصدر الأمر سريعا بتخصيص طائرات عملاقة متطورة للاستطلاع ، تنحصر مهمتها في إطلاق أشعة ليزر علي الهدف المحدد وتحديد مكانه وإرسال موقعه عن طريق عدة أقمار صناعية ، بحيث يتم توجيه مكان الهدف إلي كمبيوتر الصواريخ الموجودة في الطائرات التي تجوب سماء أفغانستان على مدار الساعة ، فتصبح كل مهمة الطيار أن يضغط علي زر الإطلاق ومتابعة الصاروخ لحين وصوله وانفجاره وتصوير موقع الانفجار ، ثم إرسال الصور بواسطة الأقمار الصناعية إلي مركز القيادة لتحليل النتائج ومعرفة مدى دقة الإصابة . أما اتصالات بن لادن ، فقد فشلت كل أجهزة التنصت والاستخبارات والقوات الخاصة وطائرات التجسس العملاقة في رصدها تماما ، ومن ثم فقد فشلت في تحديد مكان بن لادن من خلالها .. بل ربما كان من المفارقات الساخرة أن بن لادن نفسه نجح في استغلال كل هذه التقنيات الأمريكية الهائلة في تضليل أجهزة الاستخبارات والقوات الخاصة ، بل وقيادات البنتاجون أيضا . فقد كانت آخر مرة تم فيها تصوير بن لادن خلال شهر مارس الماضي ، حين
هذا النصف اول