[c]
بسم الله الرحمن الرحيم
سأتكلم بلغة أخرى وبأسلوب آخر وبعاطفة هادئة .... لا تمتلئ بالنزق السياسي
لا ولم ولن أشترك في مظاهرة لا سلمية ولا حربية ,,, لا أحمل بوقاً ولا ارفع شعاراً فأنا قد تظاهرت منذ زمن وشققت عصا الطاعة ولكن على طريقتي الطفولة البريئة وسأروي لكم قصتي مع المعارضة العائلية
ذات يوم كانت أمي تهم بالذهاب للسوق .. لحقتها وكنت ألهث كي أصل إليها قبل أن تغادر ما إن وصلت حتى رفضتني وكادت أن تغير رأيها أمام إلحاحي وتصحبني معها لولا أن أخي قد وصل إليها قبلي وجذبني بقوة ليبعدني عنها
ثم ذهبت وتركتني ..
حزنت لكني لم أفكر بالبكاء ... دمعتان صغيرتان فرطتا مني .. سرعان ما مسحتهما بقوة .. وانخرطت في اللعب ... كان الأمر عادياً لولا أن تدخلت غيرة أخي الذي يكبرني والذي ظن بجهلة أن أمي تحبني أكثر منه كونها تعتني بي لأني الأصغر فأراد أن يفسد علي بقية يومي
صار يشحنني بعبارات الكره والحقد على أمي وظل يردد على مسامعي كلاماً لا تحتمله طفلة صغيرة
_ أمي لا تحبك , ذهبت عنك وتركتك , لو كانت تحبك لأخذتك معها .. أنتي مسكينة .... مسكينة ..... مسكينة
وظل يعيد هذه الكلمة حتى انفجرت بالبكاء وعلا صوت نحيبي حتى سمعني الجيران فهبوا لمساعدتي و اتفقوا على أن أمي ظلمتني
في هذه الأثناء خطر على بالي فكرة أنتقم فيها من رفض أمي .. فقررت أن أستبدل أمي!!!
قررت أن أتخذ أم الجيران أماً لي فهي تبدو حنونة على بناتها
ذهبت إليها ووافقت أن تأويني وتحتضنني ..
سألتني عن أمي أسئلة كثيرة ....علاقتها بأبي ....هل هو يحبها ؟؟؟...هل يلاطفها ويداعبها ؟؟؟؟؟...هل يشتري لها كل أغراضها ؟؟؟
أفشيت لها كل أسرار أمي ...وعلاقتها بأبي ...
شجعني بيتها على البقاء ..وخصوصا أنها أرملة ولم تنجب ولدأ (ذكرأ)
أعطوني الألعاب والعرائس ...وأواني الطبخ الصغيرة ....لعبت وسررت بهذا التبدل الذي طرأ على حياتي . رجعت أمي من المنزل ...جاءت لتأخذني ...رفضت ...وكانت بنت الجيران تخوفني من غضب أمي ..وثورتها علي فيما لو استلمتني ...خفت وتمسكت بأمي الجديدة ...
وتحت وطأة الغضب ....عميت عيون أمي
جذبتني بقوة ...صفعتني ...شدت شعري ....تخلصت من يدها.......
وكانت أيدي أم الجيران تسحبني ...أعجبني لطفها وحنانها علي ...
لعبت مع بنت الجيران ..أحب أواني الطهي ...أخذت الأكواب ..ووضعتها في حوزتي ..
.دحجتني ....بنظرة ...مخيفة ...وقالت لي بعبارة قاسية
-هيه ....هيه ...هذه ألعابنا ...قولي لأمك ...تشتري لك مثلها
وانكسرت يدي وأنا أردها لها ...وقبلها انكسرت عيني ....وآآآآه من انكسار العيون
انسكب الحليب على ثيابي ...احتاروا أي ثياب يلبسونها البنت الجديدة
الخزانة بكل ما فيها ستكون لي ...ملكي ....فأنا سأكون ابنتهم
وبعد الغمز واللمز .اختاروا.لي أسوأ الثياب ...ولم أكن أقوى على أن أقول لا ....
شعرت بالخنوع وأنا أركع أمام الأم
خفضت رأسي لها ...كي تدخل رقبتي في حردة ثياب ابنتها ...شعور مرير ,خضعت خضوعأ لم أكن لأرضى به ..,رضيت ...لأجل أن أغضب أمي مثلما..أغضبتني
كنت أعتقد أنني سأشارك بنت الجيران كل شيء ...بيتها ...ثيابها..ألعابها ..بل ...وتماديت ...وظننت أنني سأشاركها في أمها
جن علينا الليل ...البنتان أدركهما النعاس ...نامت كل واحدة منهن على يد أمها ...واحدة يمينها والأخرى يسارها ...وأنا بقيت بلا حضن ...
.وتذكرت أنها أمي الجديدة ...واعتقدت أن لي حقأ مثل حقوق بناتها ...اقتربت كقطة متسولة ...دسست رأسي بينها وبين ابنتها ...صرخت في وجهي بهلع ...
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ,فرشنا لك فراشأ في الأرض ..نامي عليه .
نمت على الأرض ....
ظللت أرقب السقف ...وأشعر بالخوف
كل الأصوات ...تريد أن تغتالني ...تنقيط الصنبور ...صوت المروحة ...صوت نومهم ...صوت تقلبهم ...صوت شخيرهم ...بل وحتى ...(هفهفة شراشفهم )..ما هذه الحياة المخيفة ؟؟؟؟
وأين الأمان الذي توقعت أن أعيشه معهم ...؟؟؟ّّّّ!!!
وفي لحظات الشجاعة ....واجهت كل شيء ...تحديت سكون الليل .و.الخوف الذي كاد أن يشل أطرافي ....نهضت ...ومشيت على أطراف أصابعي ....كنت أتخيل أن ماردأ ...خلفي يلاحقني ...هرولت بسرعة ....تعديت عتبة بابهم ....وركضت لباب أمي ...
وقفت أما م الباب أنتحب ..وبصوتي المبحوح ...وبخلاصي المخنوق ...دسست أوتار حنجرتي ...داخل الباب .
- ماما ...ماما ....افتحي لي الباب .
شعرت بي أمي ....وبعيون نصف نائمة ...فتحت لي ...وما أن شاهدتها ...حتى عاد إلي حنيني ....لحضنها الدافئ
حضنتني بقوة ...خافت علي من الخوف الذي زلزل جسدي ....كنت مرتجفة
- بسم الله عليك الرحمن الرحيم
التويت على عنقها ....(شم شمت ) رائحتها ..فركت وجهي في رقبتها وكتفيها ...قبلتها بنهم ..وكأني غبت عنها سنة كاملة
بالكاد انتزعتني بعد أن انتزعت الخوف مني ...شاهدت فمها ...لم أكن أحتاج إلى لومها هذه الساعة بالذات ...وبيدي الصغيرة لا أعرف كيف امتدت بعفوية و...أغلقت فمها ....
عضضت على شفتي ندمأ .. بحثت عن مكان لتختبيء فيه عيوني ..لم يسعفني سوى جفوني وأهدابي ...وأخفيت عيوني خلفهما ..استحياء وندمأ
وظلت عيوني ترقب خطوط الأرض ...وتعد البلاط ...وبصوت مرتجف
_قولي بأنك أمي .أنت.أمي أليس كذلك ؟؟؟؟هل ستبقين أمي ...؟؟؟؟
لن تستبدلينني ببنت أخرى ..أليس كذلك ؟؟؟؟
رفعت بأصابعها وجهي ...وصارت المواجهة التي خوفوني منها...يا إلهي ...كيف سأتحمل عقابها !!!!
وبحزم ..سألتني السؤال الذي خفت منه ..
-لم فعلت ذلك ؟؟؟؟؟
لم يكن أمامي ...سوى مصارحتها ...
-أنت لا تعتنين بنا مثلما تعتني الأمهات ببناتها ...لا توفرين لي الألعاب التي أريد ..ولا الحلويات التي أشتهي ....وتذهبين وتستمتعين وحدك وأنا أبقى في المنزل مع اخوتي ...
_ لماذا رجعت إلي إذن ....؟؟؟؟!!!!
- لأنك أمي ....لقد ظننت أن أم الجيران ...ستكون أفضل منك ...وأنها ستمنحني ..الذي حرمتني منه ....اكتشفت أنها لاتحبني إلا في اللحظات التي أفشي فيها أسرارك وطباعك ...حتى تمارس غيرتها وحسدها عليك
اكتشفت أن أم الجيران تكرهك يا أمي وتغار منك ...واكتشفت أيضا أنها ...لا تحب سوى بناتها .....فقط ...ومهما أحبتني ...ستنصر ابنتها علي فيما لو تشاجرت مع ابنتها ...ولقد حدث لي ذلك مرارأ .
وحينما..كلمتها بصدق ...و اعترفت بخطأي ..واعتذرت منها ....ووعدتها ألا أكرر ما حدث ....سامحتني أمي الحنونة .....وفاجأتني بالأغراض التي اشترتها لي ....حقيبة المدرسة ..وكل أغراضي الضرورية ...بل ويا لحنانها ...لم تنس أن تشتري لي ...زجاجة الدواء ...لحلقي الملتهب .....أدركت أن أمي ..تحاول أن ترفهني ..لكن ليس على حساب (الصحة والعلم) ...ووعدتني أنها في المرات القادمة (إن كنت عاقلة ) ستشتري لي ألعاب كثيرة ....
ظلمت أمي ..
.لقد ذهبت للسوق لتشتري لي أنا وأخي حاجياتنا الضرورية .
قبلت رأسها وشكرتها ...وسرت لتقديري لما فعلته من أجلي ...
وعدت لسابق عهدي أضحك معها .وسلمتني شعرها الطويل لتعبث به يدي البريئة كعادتي معها ...وركعت معها وهي تصلي ...
.أعظم شيء في الحياة أن أمي لاتترك الصلاة وتأمرني بها ولا تتهاون في أمرها ...تربطني بالله ..فأعيش جوأ روحانيأ لم أشاهده عند الجيران .
وبعد أن كبرت أدركت شيئأ مهمأ ......
اثنان لا يمكن استبدالهما
الأم .......والوطن
الكاتب / الاستاذة مشاعل العيسى الساحات
[/c]