صوت يداعب نافذة الغرفة حيث الهواء يحوم حولها.. يجلس بين أروقتها شاب ممشوق القوام معتدل التفكير .. متفائل بحالته البائسة ، التي جعلته وحيدا في دولة نائية .. [أوربية غربية] وقت الليل ناهز شطره ، قذف بقلمه على طاولته وتأوّه بشدة وزفر زفرة قوية عصفت بما أحاط به من نثار أوراق حملق بعينين زائغتين .. سدل يديه على مكتبه .. ووضع ذقنه بينهما .. واسترسل في التفكير ......
عصفت به عدة مواقف تعتبر في حقه معارك .. كيف بدأ تفكيره للدراسة في الخارج ..؟ كيف أقنعه "أصدقاؤه من اهل العقلنة" على الموافقة "هل خدشت عقيدته" ..؟
هل كفر بربه ، هل زاغ عن صراطه ..؟
والولاء والبراء ....!!
عند انقداح هذه القضية في ذهنه ضحك ضحكة الساخر .... (ولاء براء ولاء براء) ..
منذ أن كنا صغارا ونحن نطرق بهذه الكلمة .. أخذ المصحف من رف متصل بطاولته ، وبدأ يتصفحه ، فتح على سورة محمد وتلاها منذ بداءتها .. (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ... حتى وصل الى قوله ..(قل سيروا في الارض ...) .. قرأها مرات لكنها هذه المرة .. أراحت ضميره ... وتمتم بسرور بالغ إذن أنا في (طاعة) ..!!
أخذ قلمه مرة أخرى وبدا يكتب ويكتب ويكتب .. وهو في هم يحاول أن يسلي نفسه بطرده ثم قام من كرسيه وبدأ يمشي في غرفته الكبيرة التي خصصها للكتب وأراد أن يضع أثقال الهموم في وجدان البيت فألهب جدرانها بكلمة ضافية :
( .. أولئك الذين كفروني ، ماذا يعملون في الليل ..؟ لاريب أنهم في غطيط عميق وماذا يصنعون في النهار ..؟ في تتبع لاهث للملاذ .. ونساؤهم ؟ قد أخذت بهم كل مأخذ ..!! نعم لحيتي قد قضمتها ، وقد نزعت كل ما يتصل بعروبتي ، وأسمع الأغاني الحديثة .. مهما أطلت لحيتي لن تصل الى ماوصلت اليه لحاهم .. !! .. (جلس على أريكته) .. وواصل حديثه قائلا : (أنا أقرأ الساعات الطويلة ، وأكتب في مايفضل عن وقت المطالعة والنوم .. وأكلي فتات لم ألتذ به ، منذ أن بدأت الدراسة وزواجي قد أجلته ..و... (عدد جملة من خصال فريدة) .. ثم قال: هل من عدل الله أن يجعل ما أقوم به معصية ونوم أولئك طاعة ...؟ )
وتوقف مشدوها عند هذه الكلمة .. طرق سمعه صوت ساعته الهادئ مؤذنا بقرب الفجر .. انتصب قائما بعد أن أمضى –كعادته- جزءاً كبيرا من وقته في تلك التوافه .. التي الزمته على التفكير بها ، وراح يؤنب نفسه .. على تلك اللحظات التي قضاها في التفكير بدهماء الأمة ..