وفاء وأي وفاء
خبر صحفي : ابن يقتل أباه بعد انتهاء صلاة الجمعة في المسجد .
بينما كان الناس منشغلين في طريقة احتفائهم وشكرهم لمن كان السبب في وجودهم ولمن ساهم في نجاحاتهم . أقبل ذلك الرجل الملثم من زمن الجاهلية الأسود حاملاً معه تلك الهدية الثقيلة . أقبل وعلى وجهه تبدو علامات الرضا والانشراح . مشى بين صفوف المصلين حتى ارتمى بجوار من آلفه البقاء . وبينما الأصوات تتعالى في ردهات بيت الله كانت الشرور تساوره . كان يسمع قول الحق : الله أكبر الله أكبر ولكنه كان للغي أكبر . اقترب كثيراً إلى أن أتت ساعة الوفاء . قال لأبيه وداعاً ، وأخرج من جيبه الهدية . غرس بمخالبه المتوحشة أغرب هدية متوقعة من ابن لأبيه فأصبحت في ظهر ذلك الأب المسكين . أكرم الابن أباه محل الشكر والعرفان طعنات مميتة عشواء ، فكأن هذا الابن قد سمع قول الشاعر الجاهلي طرفه بن العبد :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
فأراد أن يثبت حقيقة هذا البيت ويتمثل به خير تمثيل بأن يوقع الحسام المهند في ظهر أبيه حقيقة وواقعاً . وكأنه أراد البيت بهذا النظم :
وقتل ذوي القربى أخف مرارة على المرء من وقع الذباب المتردد
إنه اليوم الذي أعادنا إلى أيام الجاهلية الأولى . لقد طعن الابن بخنجره كل آمالنا وكل أمانينا قبل أن يثبته في ظهر أبيه . ولقد أغلق في وجوهنا كل أبواب الرحمة والشفقة وجعلنا في أيام تحول دون وصولنا إلى الوفاء .
أين هذا الابن من قوله تعالى : (( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً )) وأين هو من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة خمس مئة عام ، ولا يجد ريحها عاق ) . وأين هذا الابن من علي بن الحسين رضي الله عنه عندما قيل له : إنك من أبر الناس ، ولا تأكل مع أمك في صحفة ،فقال : أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق عيناها إليه فأكون قد عققتها .
اللهم احفظ لنا آباءنا وأمهاتنا ، وأبعدنا عن كل شيطان مريد .