[gl]للكاتب المبدع فهد الأحمدي[/gl]
ثلاثة أيام قضيتها باحثاً عن كتاب( قصائد قتلت أصحابها) للشيخ عائض القرني.. كنت أعلم انه" مدسوس" في مكان ما في المكتبة، ولكن ضخامتها- وسوء فهرستها- حالا دون إيجاده والعثور عليه!
وما ذكرني به اليوم هو المفارقة الأخيرة في الا نتخابات التركية، فبعد أقل من عام على تأسيس حزب العدالة الإسلامي فاز بأغلبية مقاعد النواب.. ولكن رغم هذا الانتصار الكاسح لم يستطع رئيس الحزب ( رجب طيب اردوغان) ترؤس الحكومة بسبب قصيدة ألقاها قبل خمس سنوات!!
ففي السادس من ديسمبر 1997القى اردوغان قصيدة جهادية جاء فيها.
" المنارات بنادقنا، والصوامع قبعاتنا، والمساجد ثكناتنا، والمؤمنون جنودنا، والجيش الإلهي يحرس بلادنا،، الله أكبر، الله اكبر.
واعتبرت القصيدة حينها تهديداً للنظام العلماني العسكري فحكم على اردوغان بالسجن لستة أشهر- وبسبب هذا الحكم اصبح محظورا عليه تولي رئاسة الدولة- وتم تقديم نائبه بدلا منه!!
وحين سمعت بهذه المفارقة تذكرت بعض القصائد- من كتاب الشيخ عائض - كانت سبباً في قطع رؤوس اصحابها.. فهناك مثلا طرفة بن العبد قتله عمرو بن هند بسبب قصيدة تمنى فيها لو كان بقرة يستفيدون من ضرعها.. وهناك أيضا الشاعر الزنديق صالح عبدالقدوس الذي تطاول على الرسول الشريف فاستدعاه المهدي وقطع رأسه!
@ ومعظمنا يعرف قصة المتنبي الذي قتلته أبيات قالها في رجل من بني اسد يدعى ضبة، فقد هجاه بقصيدة يقول مطلعها:
ما انصف القوم ضبة وامه الطرطبّة
فلا بمن مات فخر ولا بمن عاش رغبة
فترصد له بنو اسد في الطريق ليقتلوه. وحين رآهم هرب منهم فقال له ابنه: يا أبه وأين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي : قتلتني يا ابن اللخناء، فعاد ادراجه ليحارب فقتل وطار رأسه!!
@ أما دعبل الخزاعي فكان كلما اتى خليفة من بني العباس هجاه بقصيدة فحين تولى المأمون هجاه وتوعد بقتله- ولكن المأمون عفا عنه... ثم اتى المعتصم( ثامن الخلفاء) فهجاه بقوله:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف
سبعة وثامنهم عندنا كلب
وأني لأجزي الكلب عن ذكره بكم
لأن لكم ذنب وليس للكلب ذنب
فسمع بها المعتصم فتوعده ففر الى خراسان. وهناك تعرض للوزير مالك بن طوق فارسل له من اغتاله استنصاراً للمعتصم!
@ ايضا هناك الأعشى الهمداني الذي هجا الحجاج بن يوسف بقصيدة قال فيها:
بين الاشج وبين قيس باذخ
بخ بخ لوالده والمولود
ما قصرت بك ان تنال العلا
أخلاق مكرمة وارث جدود
فقال الحجاج حين سمعها: والله لا ادعه يبخبخ بعدها، فاستدعاه وقتله!!
@ أما قصتنا الاخيرة فلم ترد في كتاب الشيخ عائض وتتعلق بشاعر يدعى علي بن جبلة العكوك فقد مدح الامير ابي دلف بسبعين بيتا اصبحت من عيون الشعر العربي.. وقد جاء في القصيدة قوله:
كل من في الارض من عرب
مستعيرا منك مكرمة يكتسبها يوم مفتخره
وحين وصلت القصيدة الى المأمون تملكته الغيرة وقال له: ماذا تركت لنا يا ابن الفاعلة ان استعرنا منه المكارم. ولكن المأمون خشي ان يقول الناس قتل الشاعر بدافع الغيرة فاستشار من حوله فاخبروه ان له مدائح تقدح في الشرع من ضمنها:
انت الذي تنزل الايام منزلها
وتنقل الدهر من حال الى حال
وما مددت باقلام لها شبهة
الا قضيت بأرزاق وآجال
ولأن هذا لا يكون إلا لله وجدها المأمون حجة لقتله.. فقطع رأسه!!
على أي حال قد يصعب هذه الأيام قطع رأس احد بسبب قصيدة، ولكن ما يزال للشعر تأثير يصعب - حتى على الانظمة العلمانية - تجاهله!!