قصة قصيرة من آخر ما كتبت - أهديها لمنتدى واحة الحرف -
تمرد!
كيف يستطيع معرفتها من بين كل تلك النساء الموشحات بالسواد.. كانت النساء في تلك المكتبة بعدد الكتب, المكتبة عصر يوم خميس في مدينة مثل الرياض احد أماكن قتل الوقت المعدودة على أصابع يد واحدة...
كان يقلب بصره بين ثلاث جهات؛ تارة في هندامه, واحيانًا في البحث عن حقيبة يدها ماركة (بيير كردان) التي لا يميزها إلا بها, فحبه متجرد في تلك الحقيبة النسائية ونغمة جوالها ( احبك لو تكون هاجر) وهذا الأخير؛ خيار معدوم نظرًا لأقفالها الجوال في تلك اللحظة ..
تعود منها في كل لقاء أنْ تختبر حبه لها باختبارات؛ فأحيانًا يكون انتظاره لها خصمه بينما هي تجلس مبتسمة في السيارة مع السائق مستمتعة برسائله التي تلهث من تعب انتظارها, وأحيانا تـُغير حقيبة يدها فيتوه عنها بين قطع السواد المنتثر في تلك المدينة الساخنة, وأحيانا تقفل الجوال وتراقبه من بعيد وهو يبحث كما هو الآن يبحث بين رفوف الكتب...
الكتب عشقه الذي يصبح مثل عشق امرأة خانته إمام عينيه؛ بمجرد حضور تلك اللعوب ..
كانت المكتبة في ذلك الوقت مثل الحانوتي؛ فهو لم يأتي لها لما فيها وإنما لمن فيها, الفرق بين المكتبة والحانوتي انه في الحانوتي يأتي للموت بينما هو الآن يأتي للحياة ولا فوارق أخرى ..
كان القلق هو الطقس المسيطر في تلك اللحظة, مشاعر القلق والارتباك تتقاسم تركة مشاعر أي عاشق - تعصيبًا – في مدينة مثل تلك المدينة, الكل هناك ينظر لكل شيء فيه ذكر وأنثى بنظرة مليئة بالريبة,
سحب بخفة أي كتاب ليقتل به وقت الانتظار التعزيري الذي تحاكمه به دون أن يشعر.. فتح الكتاب فوجده (رواية قرأته وقرأها أكثر من مرة) كانت رواية (سقف الكفاية) ..
لم يعرف الرواية من عنوانها فلم يكن في تلك اللحظة المرتبكة يعنيه عنوان الكتاب بقدر ما يعنيه أن يمسك بأي شيء يخفيه عن اعين المتطفلين النزقة .. عرف أنها (سقف الكفاية) من مقطوعات كررها في تلك الرواية عن ظهر قلب: ( أين أجدك في بلد مثل بلدي .. في بيئة صحراوية جافة تغتال هذه البراعم الربيعية .. لا يوجد مولود يولد بأغلاله إلا الحب, وهنا فقط) ..
فجأة؛ شاهد احد الحقائب تشبه حقيبتها فرمى الكتاب دون عناية في احد رفوف قسم الفلسفة .. وتبعها ومازال جوالها مقفل, وكانت تلك الحقيبة تهرب منه كما تهرب منه تلك الفاتنة (اللعوب) دائمًا ..
تبعها وهو يحاول أن يظهر أمامها دون أن يقع في مأزق أن لا تكون هي! فهنالك فرق كبير في تلك المدينة بين أنْ تكون هي وأنْ تكون غيرها .. فبين هذا السيناريو وذاك جريمة تعاقب عليها التقاليد! ..
في تلك المدينة لا يمكن أن يكون أي احتكاك بين رجل وامرأة إلا والريبة ثالثهما..
شاهد احد النساء تنظر إليه من خلف رواية (حب في السعودية) اقترب منها فابتسمت, لم يعرفها من حقيبة يدها, ولا من نغمة الجوال التي وضعها لها في لقاء ما, لأول مرة يعرفها من ابتسامتها...
لحق بها وفي كل مرة يقترب منها يفصلهما احدهم مع سبق ارتباك وترصد ..
لم يسبق له أنْ اقترب منها لدرجة الحب إلا خارج أسوار تلك المدينة, وكأن العشاق كتب عليهم أنْ يحبوا في قلوبهم, لذلك تكتب الروايات في الحب هنا أكثر من أي مكان أخر.. العشاق في هذا البلد يحبون بالكلمات يتلاقون بالكلمات, يمارسون الحب بالكلمات ..
التقط أحد الكتب بعد أن صار وضعه ملفتًا وهو يبحث عن المتحرك في مكان يبحث فيه الآخرون – دائمًا - عن الثابت, بين فلسفة الثابت والمتحرك في ذلك اللقاء اختفت معشوقته .. بحث عنها بين الأقلام .. بين الأوراق .. بين السواد الصامت .. دون فائدة!
وقف وقفة استثنائية بين مجموعة من البشر يحملون كل ما اتو ليحملوه إلا هو ..
أذن المذيع الداخلي قبل الأذان الخارجي بربع ساعة ليطلب من الجميع وقف كل ما اتو من اجله ليخرج لا يحمل في سلة ذاكرت هذا اللقاء إلا ابتسامة لعوب لم يتعود عليها؛ فابتسم وأرسل لها (كلمات) واثقة لا تعرف الارتباك ( أعشقك في كل حالاتك .. يا متمردة