قالت سكتّ و ما سكتّ سدى
أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟
إنّا عرفنا فيك ذا كرم
ما إن عرفنا فيك مقتصدا
فاطلق يراعك ينطلق خببًا
واحلل لسانك يحلل العقدا
ما قيمة الإنسان معتقدًا
إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟
و الجيش تحت البند محتشدًا
إن لم يكن للحرب محتشدا ؟
و النور مستترًا ؟ فقلتُ لها
كفّي الملامة، و اقصري الفندا
ماذا يفيد الصوت مرتفعًا
إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟
و النور منبثقًا و منتشرًا
إن لم يكن للناس فيه هدى ؟
إنّ الحوادث في تتابعها
أبدلنني من ضلّتي رشدا
ما خانني فكري و لا قلمي
لكن رأيت الشعر قد كسدا ...
***
كان الشّباب ، و كان لي أمل
كالبحر عمقًا ، كالزمان مدى
و صحابه مثل الرّياض شذىٍ
و صواحب كورودها عددا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***
ذهب الصّبا و مضى الهوى معه
أصبابة و الشيب قد وفدا ؟
فاليوم إن أبصرت غانيةٍ
أغضي كأنّ بمقلتي رمدا
و إذا تدار الكأس أصرفها
عنّي ، و كنت ألوم من زهدا
و إذا سمعت هتاف شادية
أمسكت عنها السمع و الكبدا
كفّنت أحلامي و قلت لها
نامي ! فإنّ الحبّ قد رقدا
وقع الخطوب عليّ أخرسني
و كذا العواصف تسكت الغردا
عمرو صديق، كان يحلف لي
إن نحت ناح، و إن شدوت شدا
و إذا مشيت إلى المنون مشى
و إذا قعدت لحاجة قعدا
صدّقته ، فجعلته عضدي
و أقمت من نفسي له عضدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***
هند ، و أحسبني إذا ذكرت
أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى
كانت إلهًا، كنت أعبده
و أجلّه، و الحسن كم عبدا
كم زرتها و الحيّ منبته
و تركتها و الحيّ قد هجدا
و لكم و قفت على الغدير بها
و الريح تنسج فوقه زردا
و الأرض ترقص تحتنا طربًا
و الشهب ترقص فوقنا حسدا
و لكم جلسنا في الرياض معا
لا طارئا نخشى و لا رصدا
و اللّيل فوق الأرض منسدلٌ
و الغيم فوق البدر قد جمدا
قد كاشفتني الحبّ مقتربًا
و شكت إليّ الشوق مبتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ..
***
قومي ، و قد أطربتهم زمنًا
ساقوا إليّ الحزن و الكمدا
هم عاهدوني إن مددت يدي
ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا
قالوا غدا تهمي سحائبنا
فرجعت أدراجي أقول غدا
و ظننت أنّي مدرك أربي
إن غار تحت الأرض أو صعدا
فذهبت أمشي في الثرى مرحًا
ما بين جلّاسي و منفردا
تيه المجاهد نال بغيته
أو تيه مسكين إذا سعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***
هم هدّدوني حين صحت بهم
صيحاتي الشّعواء منتقدا
و رأيت في أحداقهم شررًا
و رأيت في أشداقهم زبدا
و سمعت صائحهم يقول لهم
أن أقتلوه حيثما وجدا
فرجعت أحسبهم برابرةً
في مهمة و أظنّني ولدا
مرّت ليال ما لها عددٌ
و أنا حزين باهت كمدا
أرتاع إن أبصرت واحدهم
ذعر الشويهة أبصرت أسدا
و إذا رقدت رقدت مضطربًا
و إذا صحوت صحوت مرتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***
لا تذكروهم لي، و إن سألوا
لا تذكروني عندهم أبدا
لا يملأ السربال واحدهم
و له وعود تملأ البلدا
يا ليتني ضيّعت معرفتي
من قبل أعرف منهم أحد!
.
.