في هذه الساعة ، أمسك بقلمي ( خطَّاف )
أتأمله ، وأضعه في خدِّ الورق ، ليندلق حبره شجوناً أوعرصات بما تحويه كل خاطرة !
و الذي بات أسمه كذلك ؛ لسرعة إختطافه ما يتوارد بخلدي من أفكارٍ : توارد القطا على أرضٍ يذوي (مرعاها) في مخمصة !! ، أو حتى إستبساله الأنيق بحبره (الساحر) والمغري أمام حصون ذاكرتي المستبدَّة حتى –تحت إغرائه- لتخرج الخواطر (وليدة اللحظة) من أعماقها وهوَّاتِها السحيقة ، فينتزعها إنتزاعا ليقذف بها في صحاري البياض الهادئة واحاتٍ من حروفٍ وكلماتٍ !!..
أما هذه اللحظة فلم تعُد هنالك أفكار تتوارد !! ، ولا خواطرٌ –تستحق ولو قليل من المجازفة- لسّتخراجها من أعماقها السحيقة ..
ولم أعد أرى من أثر ريشة –هذا القلم- إلا نتوء حبرٍ ، وجفاف مشّوه !! ، فتارة يكتب ، وأخرى يتمرد ، وثالثة يختفي !
لم يعد إلا أنا وهو نتنازعُ الأمر بيننا !
فما عاد يحتملني، ويكأنَّه يعلم بشدة هذه الوطأة ، ويحس بعظيم شروخها بعد أن ولَّى من يتحسس ويعلم !؟
هالةٌ تجثم على قلبي مربادَّةً سوادء ، غدى منها خطّاف يتنكر لي ، حتى ظننته ليس القلم الذي أعرفه !!
ثارت بي هذه الثائرة وما أستقرت : منذو عصفت بسمعي نبأ رحيلها للأبد ..
ذهبت وهي تغالب قلبها ، الذي كاد ينخلع من مكانه ، ولم تعد تسمع له ، فالعقل من صار دليلها !؟
ويكأنَّ مقالها : إلا متى نستمر نجاملها يا صاح ؟؟
تقصدُ القلوب ..
وأختفى من أمامها الحب الذي غطى أعينها طيلة تلك السنين ، والذي غطى -قطعاً- أمامها كل شئ إلى عنان السماء ..
وإلى آخر الأرض !!
أنازعها بالرجوع والعود ، علَّها تترك ، لكنها على ما قالت قد : سارت !!
.
.
حسرة وتوجع ، حنين ووجد ، حزنٌ وكآبة ..شوق وتَطلع !!
.
أفكارٌ تحتدمُ وتحتطمُ في داخلي ، حتى بات منها جسدي يهدهده التعب !!
وَيّكَأنّي طيرٌ أضناه الإرهاق وأدركه الموت لكنه أستمر محلقاً –مهاجراً- في عين العاصفة ومن تحته (الأودية السحيقة) -فقط- ليدرك مناله بالوصول ..
.
.
لم يعد هناك (يا خطَّاف ) من أُريها جديدي -فتفرح- وإن غابت ولم أفعل همني خبرها !!
لم يعد هناك من تحاول التنفيس عن غضبي إذا أنفجر ، وتربِّتُ على قلبي إذا حزن ؛ بلذيذ مزاحها وبسيط قولها !!
لم تعد هناك قمة الأنوثة يحويها ذاك الجسد ، التي تغري الصقر في السماء والتي يجرحها حتى النسيم !!
لم تعد هناك إبتسامة مكرٍ جميلة تقدمها إذا أرادت أمراً ..
ولم يعد هناك خجلٌ مطبق إذا استرسل بها الكلام ..
لم يعد للإنتظار مذاق كمان كان !!
لم تعد هناك متعة واجمة لبعض الحروف التي كان كان يعجبني وقعها حينما يفّتَرٌّ ثغرها وتخرجها بزيادة عن العادة ، فأكتفي بالتعليق القصير والإبتسامة الراضية !
بل لم يعد هناك من تعقل تاريخ مولدي ، وإذا أتى من العام – ونسيت- سعت لتذكيري وقامت هي عني -لبعدها ، ورأيي فيه- بإحتفاله !!
في هذه اللحظة وفي يوم –مولدي- وهو الثالث والعشرون من هذا الشهر وقد أوشك على العزوف والرحيل ، ولم أنساه
وهي لم تعد تذكّرني به ..-كعادتها-.. وظننتُ أن الإنتظار أمل ، أو هكذا أُعللُ نفسي بـ(عســى ، وجميع أفعال الترجي ) :
لكنها قد رحلت ؟!
نعم رحلت ..
ولم تترك خلفها إلا كلُّ فوضى عارمة من الذكرى ، أمست أمواجها كبحرِ لجيٌّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ ، ظلماتٌ بعضها فوق بعض !؟
.
.
وتعزيني الهواجس بأنك : لست أوجدُ من أبي الطيب الباكي ، ولا أحنُّ من كُثّيرُ الذي اضناه
الفقدُ .. أو دنقل الذي يكتنفه غموض البحث ..
ومن يعلم !!
.
.
وهنا -فقط- أبحث عن الحروف فأفقدها ، وعن المشاعر فلا أجدها ..
لا شئ هنا غير الصمت الذي يعوي من زوايا غرفتي ..
فلا شئ يستحق يا خطَّاف ..!!
نعم لا شئ يستحق ؟!
وليتك أدركت -أيها المعني- ، وحملتَ عني لأتنفس قليلاً ..
( ذاك أولُ مكتوبٍ لي هنا .. ولا أعلمُ سبباً لتركه خلفي ..
وقد كان حبيس دفتري (صهيل الأحزان)
فرفقاً به من أجلي )..
.
.
.
23/9/1430هـ
الساعة 11مساءاً
بجدة زائراً ..
|