بقلم / أحمد المهـوس
يا مدينة أراها تنمو ويختلف ثراها بين ناظري , ويا مسقط الرأس وموئل حنين المغترب , ويا ضياءً بات يشع في قلبي بخفقاته ؛ أحبك , وأحب أميدًا لعبت بأحجاره وترابه . . . ما بالك اليوم لا تشبهين الأمس , فأصبحت أعرف منك وأنكر , وبات الطامعون يتجاذبونك من كل حدب وصوب , وبت غريبًا كما لو كنت من طوالعك أو خارجك !
تغيرت الملامح حتى طفق قلبي يرنو إلى سالف عهدك , وجميل شرفاتك , فرحت أنادي ما انصرم منك بلا مجيب , فليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا , فما يبقيني وعيني تنظر إلى شوارع وبيوت ليست من الماضي التليد شيئًا !
ليس من الحق في شيء أن يتنكف المرء لماضيه , فهو سجل الحياة بما حمل من أفراح وأتراح , وبريدة أبدًا هي الماضي الذي شغل عقلي حيثما رحلت أو حطيت الرحال , فمن لي ببريدة الأمس يعيدها جذعة كما لو كنت ابن الرابعة من عمري ؟ !
تكاثر الناس الدخلاء عليها , فأشاعوا فيها الدواهي في كل أقطار حدودها . . . أتراهم حسدوا المدينة فهم يعملون على تغيير معالمها , نادبين أنفسهم على محو ذاكرتها مني , فهم يقسون عليها بكرة وعشيًا ؟ !
ألمي من رؤية الشمال تستباح صخوره ورماله بغية التوسع , فكان متنزه الأمس مشروعات اليوم , وجثمت الأسوار على كل شبر من منحدراته وروابيه , فيخيّل إلي أنني لن أعرفها طالما جذب الإنسان معوله قتلاً فيها بلا رحمة وبلا هوادة !
كنت أنوي العودة من منفاي الذي اخترته لنفسي , لكنني اليوم لا أجد في العودة عودًا إلى ما تركته خلفي , فإلامَ أعود ؟ أأعود إلى أسوار اجتثت آثارها متشحطة بدمائها , فإذا بالأسوار الجديدة تستحوذ على دمائها غيلة بلا سابق موعد , فكان أن زهقت أنفسها كما لو كان يراد منها القصاص حدًّا ؟ !
تغيرت بريدة بآثارها ومعالمها , فتغيرت النفوس , فكنت أجهل من أمر الناس أكثر مما أعرف , وتشابهت علي الوجوه , فمن قلت له إنني أعرفك أنكرني , حيث نسيني من زحمة الناس , فبت لا أسال من ألاقيه مخافة أن يتهمني بالغريب حين كنت في مدينتي !
جزى الله غرب بريدة كل خير , فقد أبقى على شيء من ماضيه , لولا ذاك الشريان الجديد الذي زرع في وسطه , فكأنه مقطع السيف في الجسد . . . ذاكرتي في الغرب حين تنكّر لي الشمال . . .