الشموخ
يعيش المرء في حياته متقلباً بين أحوالٍ كثيرة .
فمرةً يكون مقبلاً نحو الشموخ و الارتفاع .
و أخرى يكون متقهقراً إلى النزول .
و هو في تينك الحالتين لا يكاد يسلم من همزٍ و لمزٍ ، و لا يهنأ باله من انقطاع الذم و القدح .
فإذا ما ارتفع و شمخَ بادرته ألسنة الناس بأنه : لن يدرك ما تمنى ، و أنه غير قادرٍ على تحقيق الهدف ، و أنه من هو حتى يكون له طموح ، ....
و إذا أصابته بليَّة القهقرى ، و آفة الرجوع تلقفته تلك الألسن قائلة : أنت مُنْحطٌّ دائماً ، و أنت سافل الهمة ، ضعيف العزيمة ...
و هكذا ...
لكن اللبيب العاقل يكون بشموخه شموخُ نفسه عن ترهات السافلين ، فلا ينظر إلى أولئك _ حال كلامهم فيه _ إلا شزراً .
البليَّةُ هذه حاصلةٌ و واقعة ، و علاجها من خلال نقاطٍ عدَّةٍ :
الأولى : الإعراض عن كلامهم ، و عدم الاعتبار بهم .
الثانية : معرفة درب العلوم و الشموخ ، و المعرفة بطريق الدنوِّ و النـزول .
الثالثة : معرفة طرقِ أصحاب المعالي في ترويض النفس نحو المعالي و الرفعة .
الرابعة : العلو مُسلَّطٌ عليه ما يكون همه إسقاطه ، من : همةٍ دنية ، و من رجل ساقط الهمة .
الخامسة : قد يكون كلام ( الدُّناة ) من عدم استطاعتهم محاكاة الرفعاء .
من هذه النقاط الخمس يشمخُ المرءُ بنفسه عن هذرِ من يهذرُ بما لا يدري من عامة الناس .
و الحذرَ الحذرَ من أن يتوقف من أجل قولةٍ قالها قريب ، أو كبير ، أو لصيق .