الراعي
اقترب من شجرة زيتون ، همّ بالجلوس ، كان الظهر قد ولى . قال في نفسه : تعبت الأغنام وترنحت يمينا ويسارا فهدأت حركتها ولن تذهب بعيدا ، أجلس إذن هنا ، بعيدا عن الدنيا وناسها ، أجلس لأتناول طعامي الشهي : رغيف خبز نصفه محترق وبضع حبات من الزيتون ، رأس بصل وقطعة جبن قديمة .
نظر إلى موضع جلوسه ، وأخذ نفسا عميقا ، تأمل للحظات طعم الراحة ولذة الطعام ..
فجأة .... ما هذا ؟
صوت رصاص غير متوقع .. . نظر باتجاه مصدر الصوت .. كان الصوت قادما من الأمام ، من خلف أكوام الحجارة ، لم يمنعه الخوف ولا ارتجاف جسده النحيل من استكشاف ما يجري أمامه ، فتحرك بخفة وحذر وسرعة نحو الأمام فرأى مجموعة صهيونية مسلحة تنتشر في المكان و... " راعي " عربي آخر كان هناك وحيدا فقتله الصهاينة ... وعندها .. ارتد الراعي الحي مسرعا باتجاه آخر بعيد عن أعين الصهاينة وباتجاه بلدته الآمنة الهادئة المفتوحة من الجوانب الأربعة ...
وقع " الراعي " في الطريق أكثر من مرة .. فزادت ملابسه تمزقا ، وكأنما كان حافي القدمين فصفعته كل الأشواك التي لامسها ...
وصل إلى مسامع الناس في القرية ومن فوره : صاح ..
يا أهالي قبية ...
يا أهالي قبية ...
يا ناس .. يا خلق الله ... اليهود الليلة رح يهجموا على البلد ... اليهود في أطراف البلد ..
يا ناس ... ....."
نظر أهالي القرية إلى الراعي الفقير واستمعوا له حتى شعروا بالكفاية ... فعاد كل منهم إلى داره .. وقلة منهم تذكرت لهفة الراعي عليهم تلك الليلة ...
في الصباح وجد الراعي معظم أهالي قريته صرعى ؛ نظر إلى كل واحد منهم فبدت له صورة الراعي القتيل في المرعى ..
فزع مرة أخرى .. فصاح وصاح .. وجعل صياحه أعلى ..
قال في نفسه: ربما لم يسمعني أهلي بالأمس ... علي أن أعلي الصيحة .. وأناديهم واحدا واحدا وأصيح في أذنه ....
زار الراعي كل آذان العرب ...
صاح الراعي في كل الميادين ..
وفي كل الأعوام ..
قال : ياعرب .. أنتم بعد قبية .. أنتم بعد قبية ...
نسي الراعي منذ عشرات السنين أن يجنب قدميه أشواك الطرق العربية ؛ لكن العرب لم ينسوا أن يقصوا على مسامع أبنائهم .. كل ليلة .. قصة الراعي الكذاب ....