[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[align=right]يضطرب بعضُ من يريد أن يكتبَ أو يحاضر أو يحاور في صدر كلامه بماذا يبدأ وكيف يمهِّد الطريق لما يريد قولَه، وأعرف بعض من يكتب يبدأ مقالتَه بقول: «بدون مقدمات»، وتجد من يكثر من «الألألة» أو «الأأأة» -أجارني الله وإياك!- في حديثه، ولا عتبَ علينا حينئذ أن نذكر قولَ الشاعر الذي يطلب من متخصص في علم البلاغة أن يستلم زمامَ الحديث:
[poem=font="Traditional Arabic,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قال: أتقنتُ بديعي كلَّه =غيرَ نوعٍ هو «حسنُ الابتداء»![/poem]
ولقد نقَلَ العسكري –في الصناعتين- عن بعضِ الكتاب أنَّه قال: «أحسنوا معاشر الكتَّاب الابتداءات فإنَّهن دلائل البيان»اهـ.
وقال بعض النقاد: «إنَّ الاستهلالات هي الطليعة الدالة على ما جاء بعدها»اهـ.
ولأهل البلاغة كلامٌ في أمر «الابتداء» و«براعةِ الاستهلال» ثم «حسن التخلّص»؛ لكن دعنا –أخي القارئ- من كلامهم الآن، فقد لا يشفي غليلَك، لأنَّ غرضَك حين تشكو من ضعف الاستهلال وصعوبة التخلُّص غرضٌ منطقي لا بلاغي –فيما يبدو لي-، وأنت محتاج إلى تحقيق هذا الغرض حتى وإن انخلع كلامُك عن وصف البلاغة. فأنت تريد أن تمهِّدَ لقولك، وتجعل أول كلامك منسجم الأفكار مع آخره، وأن لا تكون جملةُ حديثك ملفَّقةً مقطَّعةَ الأوصال، وعليك حينئذ أن تتفكر في الأصل الذي ينبني عليه مرادك من الحديث، فاجعله قاعدة وقدِّم عليها إن استطعت بعض الشواهد من القرآن والسنة أو من كلام العرب أو واقع الحياة، ثم اخرج من هذه القاعدة إلى الفرع، ثم المثال. وإن كرهتَ أن تبدأ بتلك القاعدة، فمهِّد لها بسؤال، أو افتراض تعالجُه. وإن أردتَ تمهيدًا أطول وتهيئة أوثق؛ فابتعد عن حِمَى «الموضوع» إلى الحمى المجاورة، أي أن تتحدث عن أصلٍ قريب من الأصل الذي تريد التفريع عليه. ثم لا تنسى أن تلطِّفَ الجوَّ بشيء من النوادر أو الملاطفات إن احتجتَ لذلك، وقد تحتاج إلى أنواع أخرى مهيِّأةٍ؛ كإحياء روح الجدِّ بقطوف من سير الفضلاء ومواقف العظماء وعِبَر الحياة، ونحو ذلك. ثم عليك أن تتخلَّص من ذلك إلى «الحِمى» التي ذكرتُها لك آنفًا –رحمك الله- ولهذا التخلّص ضروبٌ منها ما ذكره أبو هلال إذ يقول: «كانت العرب في أكثر شعرها تبتدئ بذكر الديار والبكاء عليها، والوجْد بفراق ساكنيها، ثم إذا أرادت الخروج إلى معنى آخر قالت: فدعْ ذا وسلِّ الهم عنك بكذا...»اهـ.
وبعضهم يخرج إلى غرضه بكلام له اتصال بمقدمة النص.
وما أظنك عاجزا عن استخدام الطريقة الأولى، فتقول منتقلا «وعندي الآن موضوع وصفه كذا وكذا وهو...» أو تقول: «دعونا من هذا الأمر الآن ولنعالج الأمر الفلاني كذا...» وهكذا.
أما الطريقة الثانية؛ فلا أظن أنَّ قولي سيجعلك من القادرين على مثل هذا إن لم تكن ذا دربة وحسنَ تدبير وتصريف للكلام.
أما بعد؛ فأعتذر إليك أيها القارئ الكريم عن هذه الإطالة التي لم أقصد إليها؛ بل كنت أريد نقلَ بيت علي الجارم -السابق الذكر-: «قال: أتقنتُ بديعي كلَّه...» مع التقديم له بشيء من السبك أحرِّك به القلم كي لا يذبل. غفر الله لي ولك وجعلنا من حِسَانِ السيرة وخاتمة المسيرة.. مسيرة الحياة –عمرها الله بالطاعات- آمين.[/align]
[align=center]ناصر الكاتب
ليلة: 21 / 10 / 1427هـ.[/align]