إن الحب والكراهية ينبثقان من جذور واحدة وهي العواطف الإنسانية، وليس من المستغرب أو المستبعد أن تمتزج الكراهية بالحب، أو أن يختلط الحب بالكراهية، فأجمل الأزهار لا تنبت إلا من تربه مخصبه بأسمدة عفنه أو فوق رفات الموتى وبين أحجار المقابر، والعسل الشهي لا يخرج إلا من بطون حشرات كالنحل.
إن العواطف الإنسانية الحقيقة عميقة، ومتدفقة، لكنها تفتقد إلى الثبات، والاستقرار، كتب عليها الذبول، والفناء، لا الديمومة، والبقاء، ولذا فهي تشعرنا دوما بالإحباط، والألم، والحسرة.
في كل علاقاتنا الاجتماعية، والعاطفية، ألا يوجد لدينا ما يسمى بأنصاف الحلول، في الكره، والحب ألا نقبل بالقسمة على اثنين في البغض، والود، ألا يوجد لدينا ما يسمى بالمنطقة الدافئة، والمعتدلة، والوسطى في مشاعرنا وأحاسيسنا وانفعالاتنا... إن تقلب القلوب أمر وارد، ومن طبيعة البشر وإلا لما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه، وتغيره من موقف لآخر، ومن وقت لآخر.. فالقلب يتغير كما تتغير ملامح الوجه من مرحله إلى أخرى، أنظر إلى صوره فوتوغرافية لك أُخذت قبل خمس سنوات وتمعن في التطورات التي تعرضت لها ملامحك، وهكذا القلب يتطور، ويتبدل حتى يصل إلى مرحلة الثبات والاستقرار ولذلك يقول الشاعر العربي القديم:" كثير عزة":
وقد زعموا أني تغيرت بعدكم من ذا الذي "يا عز" لا يتغير
وتقرأ في قصه "الضحية" للأديب: مصطفى لطفي المنفلوطي عبارة تقول: "إن للحب فنونا من الجنون، وأقبح جنونه أن يعتقد المتحابان أن حبهما دائم لا تغيره حوادث الأيام، ولا تنال من الظروف، ولو عقلا لعلما أن الحب لون من ألوان النفس، وعرض من أعراضها الطارئة، تأتي به شهوة وتذهب به أخرى".
يقال: إذا وجدت امرأة تكره رجلاً لدرجه الموت، فأعلم أنها كانت تحبه لدرجه الموت.
أجمل ما في الحب لحظاته الأولى فقط، وقد تستمر لعده أيام أو أشهر ثم يصبح مملاً، معذباً، موجعا، مؤلماً.
مشاعر الحب الممتزجة بالكراهية هي الأكثر شيوعاً ويطلق عليها الإنجليز "love-hate".
لعل أجمل ما قرأت عن الحب، والكره، وتغير المشاعر، وتبدل العواطف، ما كتبه الأديب الفرنسي فيكتور هيجو يصف فيها انتهاء علاقته مع زوجته آديل فوشيه التي أحبها الأديب حبا عميقا، صادقا، دامعا. وبعد زواج دام 8 سنوات أنجب خلالها الأديب 4 من الأبناء، أكتشف خيانة زوجته له، مع الناقد الشاب سانت بيف وشقي فيكتور بخيانتها، وغدرها وكتب لها في أحد رسائله الشهيرة لها بقوله:
" أنظر إلى هذه المرأة..
إنها لا تحبك..
إنها لا تكرهك..
وهذا هو كل شيء ."
الحب الحقيقي قد يخمد وقد تذبل أوراقه، ويموت كما تموت الورود، لكنه يبقى من أريجه، وأريحه القديم نفحه لا تسمح له أبدا أن يتحول ذات يوم إلى كراهية حاقدة، ومدمرة.
إن التغير أمر لا مفر منه فدوام الحال من المحال، والحياة لا تعرف الثبات مطلقا، والذي ينكر التغير، والتغيير ينكر حقيقة الحياة الأكيدة إن العادات تتغير، والسلوك يتغير، والرغبات تتغير، والأحاسيس تتغير، والحب والكراهية يتغيران وربما يزيد أحدهما تارة، وينقص الآخر تارة أخرى...
لكن المهم والأهم هو مدى قدرتنا على فهمه، وتفهمه حتى لا يقتلنا الحزن، ونشعر بالأسى والانكسار.
أسألك سيدي و سيدتي: هل من الممكن أن يتحول الحب في يوم من الأيام إلى كراهية؟
منقول
محبكم/ أبوهمس