لقد أصبحت رسائل الجوال الأسرع في توصيل المعلومة ، والأشهر في تبادل التهاني في الأفراح والمناسبات ، وهي الوسيلة في ادخال السرور على الآخرين من خلال النكت والطرائف الهادفة ،لكنها في المقابل ربما تكون الرسالة ثقيلة ومزعجة وتنزل على صاحبها كالصاعقة المدوية ويصعب عليه نسيانها لما تسببه له من ذكريات مؤلمة وما تحمله من أخبار سيئة ، ويكفي أن تتخيل معي بأن صديقك الذي تتسامر أنت وإياه اسبوعيا وتتواصل معه بالمكالمات والرسائل شبه يومي ،يأتيك رساله من جواله شخصيا بأنه مات !!! مات !!
يا الله ما أشد هذه اللحظات وما أعظم وقع هذا الخبر على النفس !!!
ربما تعتقد في بادئ الأمر بأنها مزحة من العيار الثقيل ليرى قدره عندك ، ولكنك حينما تتأكد من المصادر الخاصة تجد بأن الأمر جد ، بالله عليك كيف يكون موقفك ؟؟؟
هذا ماحدث لي بالضبط ،
لقد كنت في عصر يوم الأحد الماضي أنتظر الأفطار وإذا بالجوال يدوي بنغمة هادئة فقلت في نفسي لعل هذه الرسالة دعوة صادقة خصني بها أحد أحبابي يتحرى فيها وقت الإجابة وهو الإفطار أو أنها دعوة من أحد الأصدقاء للعشاء أو اللقاء ، فبادرت بفتح الرسالة وياليتني لم أفتحها وتمنيت لو أن الأرض ابتلعتني ولم أقرأ مافيها
لقد وجدتها من صديق عزيز بل هو من أعز أصدقائي وإذا فيها بالحرف الواحد
" توفي أبي ... حسبي الله ونعم الوكيل " وذيلت الرسالة باسم ابني صديقي : عزام ، وعبد الكريم ،
بصراحة لم أصدق من هول الصدمة وظننتها مزحة فقمت بالاتصال على جواله لكنه لم يرد ، فخالطني الشك وأصابني الإرتباك وبدأت أجري اتصالات هنا وهناك لعلي أجد من يكذب هذا الخبر حتى بانت الحقيقة المرة .... لقد مات صديقي ... ومافي اليد حيلة فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون.... وانهااارت قواي وهلت دموعي ولكني أيقنت بأن ذلك لن يجدي فكفكفت دموعي ورفعت يداي إلى الله الذي أمسك روحه أثناء نومه ودعوت الله له بالعفو والمغفرة ,إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا مايرضي ربنا وإنا على فراقك يامحمد لمحزونون ,.
وهكذا حال الدنيا يعيش فيها الانسان غافلا وفجأة ... تنتابه لحظة توقف ! عند خبر لم يكن مستعدا له من ذي قبل , كـ فقد عزيز ، وحصول مصيبة و...
ولله در أبي الحسن التهامي الذي قال في مرثية ابنه :
حكم المنية في البرية جار *** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا *** حتى يرى خبرا من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال سار
وقد قيلـ .., عش ماشئت فإنك ميتـــ وأحبب من شئت فإنك مفارقه
واعمل ماشئت فإنكــــ ملاقيـــــــــــــــــــــه
ومر أحد العارفين على رجل يبكي عند قبر
فقال له : يا هذا, ما الذي يبكيك ؟
قال الرجل: أبكي على من أحببت ففارقني.!
فقال له العارف: ذنبك أنك احببت من يموت, ولو أنك احببت الحي الذي لا يموت (لما فارقك ابدا)
لقــــد كانت هذه هي الرســـــــــالة الأخيـــــــــــرة التي تلقيت فيها خبر وفــــاة
أخي وصديقـــــــــي ( محمـــــــــــد بن عبد الكريم الفـــــدا ) رحمه الله ، أسأل الله أن يجمعني به في الفردوس الأعلى من الجنه " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئكـ رفيقا " إنه سميع مجيبـــ