أينَ الضجيجُ العذبُ والشغـبُ ؟
هذه قصيدة مؤثرة للغاية ،
قصيدة تحرك الوجدان ، وتستثير الدمع ، وتهز القلب الحي ..
أبيات تكشفُ روعة الأبوة الحانية التي تغمر قلوب الآباء على أبنائهم ،
إلى درجة عجيبة لا يعرف حقيقتها إلا أب ..
فيض حنان يتفجر .. وشلال عاطفة يتدفق ..
من قلب أبٍ يودع أطفاله
ويُظهرُ لهم بأنه متماسك ، وهو يوشكُ أن ينهار ..
ويصر أن يبدو أمامهم أنه غير مكترث لفراقهم ، وقلبه يتمزق بشكل مروع .
ويجهد على أن يرسم على وجهه ابتسامة الوداع لهم ،
وروحه تولول لفراقهم .
هذا أبٌ قُدر له أن يعيش بعيداً عن أبنائه ، لأسباب خارجة عن إرادته
ولما جاءوا لزيارته ، وقضوا معه صيفا كاملا في رحاب أبوة حانية ..
حانت لحظة الفراق ،
فخرج بهم يدفعهم دفعا رفيقا إلى السيارة ،
وهم يتباكون حوله رغبة في البقاء معه ، والجلوس إلى جواره ..
وهو يتظاهر بالجلد معهم ، ويلح عليهم بالسفر ..
فلما مضت المركبة وهم يشيرون إليه بأيدهم ،
ووجوههم غسلتها الدموع
وأدماها النحيب ..
وهو يرفع يديه مودعا ، ويصر على أسنانه في جهد ،
حتى لا ينفجر باكيا ، ويمنع عينيه أن تسحان بدمعهما ..
اختفت المركبة بمن فيها ،
والأب المذهول لا زال واقفا في مكانه لم يبرح ،
كأنه غير مصدق أن أحبابه مضوا وخلفوه ،
وأنه قد لا يراهم مرة أخرى ..
وعاد إلى داخل الدار يجر قدميه في جهد ..
وهناك انهار باكيا ..
وها هو في قصيدته الرائعة هذه يصور لنا بريشة رسام مبدع ،
ما كان منهم .. وما كان منه ..
[align=center]
أينَ الضجيجُ العذبُ والشغـبُ ؟
أينَ التـدارسُ شابـهُ اللعـبُ ؟
أينَ الطفولـةُ فـي توقدهـا..؟
أينَ الدمى في الأرضِ والكتبُ ؟
أينَ التشاكي ، دونمـا غـرضٍ
أينَ التشاكي مـا لـه سبـبُ ؟
أينَ التباكـي والتضاحـك فـي
وقتٍ معاً ، والحزنُ والطربُ ؟؟
أينَ التسابـقُ فـي مجاورتـي
مَلقاً ، إذا أكلـوا وإن شربـوا
يتزاحمـون علـى مجالستـي
والقرب منـي حيثمـا انقلبـوا
يتوجهـون بسـوق فطرتـهـم
نحوي إذا رهبوا ، وإن رغبـوا
فنشيدهـم ( بابـا ) إذا فرحـوا
ووعيدهم ( بابا ) إذا غضبـوا !
وهتافهـم ( بابـا ) إذا ابتعـدوا
ونجيهـم ( بابـا ) إذا اقتربـوا
بالأمـس كانـوا مـلء منزلنـا
واليوم ويح اليـوم قـد ذهبـوا
وكأنما الصمت الـذي هبطـتْ
أثقالـهُ فـي الـدار إذ غربـوا
إغفـاءة المحـمـوم هدأتـهـا
فيهـا يشيـع الهـم والتـعـبُ
ذهبوا ، أجل ذهبـوا ومسكنهـم
في القلبِ ما شطوا وما قربـوا
إنـي أراهـم أينمـا التفـتـت
نفسي ، وقد سكنوا وقد وثبـوا
وأحسُ فـي خّلّـدي تلاعبهـم
في الدارِ ليس يصيبهـم نصـبُ
وبريـق أعينهـم إذا ظـفـروا
ودمـوع حرقتهـم إذا غُلبـوا
في كـل ركـنٍ ، منهـمُ أثـرٌ
وبكل زاويـة ، لهـم صخـبُ
في النافذاتِ زجاجهـا حطمـوا
وفي الحائطِ المدهونِ قد ثقبـوا
في الباب قد كسَـروا مزالجـهُ
وعليه قد رسمـوا وقـد كتبـوا
في الصحنِ فيه بعض ما أكلـوا
في علبة الحلوى التـي نهبـوا
في الشطرِ من تفاحـةٍ قضمـوا
في فضلةِ الماءِ التـي سكبـوا
إني أراهـم ، حيثمـا اتجهـت
عيني ، كأسرابِ القطا سربـوا
بالأمس في " قرنايـل " نزلـوا
واليوم قـد ضمتهـمُ " حلـبُ "
دمعـي الـذي كتّمتـهُ جَـلَـداً
لمّـا تباكـوا عندمـا ركـبـوا
حتى إذا سـاروا وقـد نزعـوا
من أضلعي قلبـاً بهـم يجـبُ
ألفيتنـي كالطـفـل عاطـفـةً
فـإذا بـه ، كالغيـثِ ينسكـبُ
قد يعجبُ العـذالُ مـن رجـلٍ
يبكي ، ولو لم أبكِ فالعجـبُ !
هيهات، ما كـل البكـا خـورٌ
إني _ وبي عزمُ الرجالِ _ أبُ [/align]
منقووول