العودة   منتدى بريدة > المنتديات الأدبية > واحة الحرف

الملاحظات

واحة الحرف إبداعاتكم من نزف أقلامكم

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 03-11-04, 06:02 pm   رقم المشاركة : 1
mam999
عضو قدير





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : mam999 غير متواجد حالياً
Post وداعاً هياء .. للدكتور محمد الحضيف


وداعـــاً هيــــــاء .....!!!!


استدارت خارجة من مكتب المديرة ،،، وحينما حاذت لوحة على الجدار تعلق عليها قرارات إدارة التعليم بصقت عليها ......

هكذا هو رد فعل المحرومين، البؤساء ، يعبرون عن غيظهم بالبصق على الجدران ... !! .. فقط حينما لا يراهم أحد .....




منذ سنوات تعودت هيا أن لا تنام بعد أن تصلي الفجر ، تعد القهوة لوالديها والإفطار لإخوانها ، وتكمل ما فاتها من أمور البيت ، التي غلبها الإعياء والنوم ، دون أن تنجزها الليلة السابقة ..
في الخامسة والعشرين ولم تتزوج هيا ، التي أصبحت معلمة منذ ثلاث سنوات .. متوسطة الجمال ، ومتوسطة في كل شئ ، طرق باب أهلها كثير من الرجال ، لكنها امتنعت عن الزواج ، أو أن شرطها ، يرد عنها راغبي الزواج : أتزوج لكن أبقى عند أهلي .....
- من يقبل هذا الشرط يا هيا .....؟
تسألها أمها بمزيج من العتاب والشفقة ..
تحاصر آهة تكاد تذيب صدرها ، وترد على أمها دون أن تنظر في عينيها :
- المقسوم لابد أن يكون يا أميمتي ..
بينها وبين أكبر إخوانها عشر سنوات ، بنت في الخامسة عشرة .. أمها ليست من أنصار تحديـد النسل ولا تنظيمه .. نصف متعلمة ، أو قل أمية إن شئت ، أجهضت في حملها الثاني ، بعد هيا ، فأسقطت جنينها ، فتأثرت قدرتها على الإنجاب ، وفشل أطباء المستشفى الحكومي في علاجها ، ولم يكن في مقدور الوالد ، الفقير المعدم ، الذي لا يملك إلا دكانا صغيرا ، أن يعالج أمها في المستشفيات الخاصة ..
حملت أمها دون علاج ، هكذا كأقدار البسطاء ، بعد عشر سنوات ، وأنجبت أربع بنات وولدين ، أكبرهم عمره سبع سنوات .. قبل ست سنوات ، حينما كانت أمها حامل بأخيها الأصغر ، وبينما كان والدها يجتاز الشارع ، في ظهيرة حارة ، في اتجاه الكلية ، حيث كانت تدرس ، ليأخذها ويعود بها إلى البيت ، إجتاحته سيارة فارهة ، فأصيب بشلل رباعي .. لم يعرف نوع السيارة ، ولا قائدها ، لكن ، قال له فيما بعد ، شخص كان حاضرا الحادث ، أنه ترجل من السيارة شاب ، فتفقد مقدمة السيارة ، ثم قال ، وهو يمد بطاقة أخرجها من جيبه، لسيارة شرطة صادف وجودها في تلك اللحظة :
- "وجع ..... ما يشوف .....؟" ..
ثـم أنطلق ، وهو يمسح من على جبينه حبات من العرق تكثفت ، حينما لفحت الشمس وجهه ، الذي كان قد غادر لتوه هواء مكيف السيارة البارد
..




هيا تخرج من البيت بعيد الفجر ، قبل أن تمزق الشمس أستار الظلام ، لتقلها سيارة ، هي وبعض زميلاتها ، إلى حيث تدرس ، حيث تم تعيينها معلمة في مدرسة تقع في قرية تبعد عن مقر إقامتها 3... كيلو متر .. لم يشفع لها حطام ذلك الآدمى ... أبوها ، ولا أمها البائسة التي تنوء بهم أبيها المقعد ، وبقلق الخوف عليها منذ تخرج حتى تعود ، وقلق العـذاب على مستقبلها ، الذي يعني بؤسا وضياعا لهم جميعا لو تركتهم ..... وهي لن تفعل ..
قالت للمسئول :
- هذه حال أبي ... وأمي وإخواني القصر ، حاول أن تساعدني ... أن تجد لي مخرجا .. سعادة المسؤل ، النزيه جدا ، قال لها :
- عفوا ... النظام لا يسمح ..
وضعت سماعة الهاتف ، والمرارة تكاد تمزق حلقها ، ونظرت بانكسار للمديرة وقالت :
- لقد رفض ... يقول النظام لا يسمح ..
كلتاهما تعلمان أن (سعادته) ، قد نقل قريبة له قبل أيام ، من مدرسة في الحي المجاور إلى مدرسة ملاصقة لمنزلها .. استدارت خارجة من مكتب المديرة .. وحينما حاذت لوحة على الجدار تعلق عليها قرارات إدارة التعليم بصقت عليها .. هكذا هو رد فعل المحرومين، البؤساء ، يعبرون عن غيظهم بالبصق على الجدران ... فقط حينما لا يراهم أحد ..
دائما أصادف هيا تخرج ملتفة بعباءتها مع الفجر ، تنتظر السيارة التي تقلها إلى عملها ... إلا اليوم .. اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، حيث لم تخرج هيا كعادتها .. وهي أيضا لم تعد القهوة لوالديها ، ولم توضئ أباها المقعد ، قبل ذلك ، أو تدفئ الماء لأمها ، التي تسلخت يداها ، من رضح نوى التمر لبيعه علفا للأغنام .. وهي كذلك ، لن تصنع فطورا لأولئك الأطفال ، الذين سيخرجون إلى المدارس شعورهم مبعثرة ... وربما بلا فطور ..
اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، بكيت كثيرا ، رغم أنه لا تربطني بهيا صلة ، ولا أعرفها ولا تعرفني .. ليس لأن هيا في الخامسة والعشرين ولم تتزوج ، لأنها تصر على أن تبقي مع أهلها .. لا ..... لقد غادرت أهلها إلى الأبد ..





اليوم أنا مزقني البكاء على هيا ، التي رحلت وأخذت قلبي معها ..... قلبي الذي تعلق بروحها دون جسدها ، هيا ماتت بحادث سيارة ، قتلتها السيارة التي تحملها إلى عملها البعيد عن حطام البشر ، الذين كانت تقوم قبل الفجر من أجلهم ... وأمتنعت عن الزواج من أجلهم .. ماتت وهي في طريقها إلى عملها البعيد ،
الذي تمزقت بينه وبين نماذج من البؤس ، قضت المشيئة أن تكون حبلهم الوحيد المتصل بالحياة ..
أنا جار هيا الذي أنطفأ وهج الحياة في قلبه ، يوم أنطفأت هيا ... الشمعة التي ظلت تتقد بصمت ... تقاوم الظلام بصمت ... تقاوم الصقيع بصمت ... الظلام والصقيع بكل ما يمثلانه من ظلم ، وتخلف ، وحيف ، وقسوة ، وترف ، ومحسوبية ... وبيروقراطيـة قبيحة .. الظلام والصقيع كأبرز مظاهر التوحش وإحتقار الإنسان ونسيانه ..
أنا اليوم جار هيا الجريح ، معطوب إلى النهاية ، لأن هيا التي مثلت أجمل مظاهر مقاومة الفناء ، الذي يفرضه الإنسان على الانسان ، وهيا التي مثلت نافذة الضوء الوحيدة ، لبقايا بشر (يقفون) بين الحياة واللاحياة ... قد أنطفأت إلى الأبد ..
هيا ماتت في حادث سيارة ولم يسمع بها أحد ، رغم أنه دوى في قلوب أناس أيقظ نحيبهم صـم الصخر ..
ماتت هيا ..... لم يسمع بها أحد ، وهي التي لم تضاجع الرجال ، ولم تتعرى ، ولم تتخذ صديقـا ، ماتت في عباءتها ... لم ير جسدها أحدا .. ماتت لم تتزوج ولم تصنع لنفسها حياة ، لأنها كانت مشغولة بصناعة الحياة لغيرها ..... ولم تكتب عنها الجريدة .. قلت لرئيس تحرير جريدتنا المحلية :
- ماتت هيا ...
قال :
- كتبنا عن ديانا ..
اليوم أنا أجهشت بالبكاء ..... بكيت طويلا ، وقفت ولم تخرج هيا كعادتها .. اليوم كذلك ، لم يخرج الأطفال إلى المدارس ، ليس لأنه ليس هناك (هيا) ترتب شعورهـم وتعد لهم الإفطار .. اليوم لم يخرج الأطفال إلى المدارس لأنه ليس لديهم دفاتر ، ولا أقلام ، ولا (مراييل) جديدة ... ولا فطور ..... لأن هيا لم تعد هناك تنفق عليهم
..



ماتت هيا فارتاح مدير التعليم ، ورئيس التحرير لن يكتب عنها ، وأنا انتقلت إلى بيت آخر، بعيدا عن بيت أهلها ... بعيد عـن المكـان الذي كانت تقف فيه ، بانتظار السيارة التي تقلها ... إذن أنا لن أفكر فيمن ماتت من أجلهم ...
إذن أنا مرتاح الضمير .....
شكرا مدير التعليم ... شكرا رئيس التحرير ... وداعا هيا ... وداعا هيا..


د . محمد الحضيف







التوقيع

[align=center] [flash=http://www.4img.com/ar/up/06/09/04/673271cc47c1a4e77f57e239ed4d28a7.swf]WIDTH=415 HEIGHT=313[/flash] [/align]

[align=center][poem=font="Simplified Arabic,6,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.rayig.com/ch/pic/BrideGroom_copy.jpg" border="none,4,limegreen" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
جيت المكان اللي بدأ حبنا فيه =وأمطرته عيوني بدمع الحنيني
وشكيت له قسوتك .. وإنكار ماضيه =يوم العهد .. وأيديك تحضن يديني
تعتب على معذور .. بس الزعل ليه =وأنا أعترفت بغلطتي لك بحيني[/poem][/align]
[align=center] سعود بن بندر[/align]

قديم 03-11-04, 09:00 pm   رقم المشاركة : 2
غريب
عضو قدير





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : غريب غير متواجد حالياً

السلام عليكم ..

روائع الدكتور محمد الحضيف خاصه من نوعها ...
تسرد قصص من حالنا المعاصر لمساكين هذا العصر ...

لم ننسى قصة ساره ... والرماد ... روائع روائع روائع ... ولا يكفيها حقها ...

تحياتي لك اخي mam999







التوقيع

[align=center]من مواضيعي :

الطلاق في بلادنا..و الطلاق في ماليزيا !!! فرق!!

قال إيه...حقوق المرأة..!!! ربك يستر

قويه ياقنان الغامدي !!!!

ماهو الحاشي ؟!!!

ضفدعتان في بئر !!!

افصخ !!! !!!!

جنس أفضل = صحة جيدة

ثمن ضربني ضربة تيبس الريق...وقام وفرشني فرشته للسماطي

فضائح !!! وبالجريده ... مومعقول أبداً !!!

ساعدوا الأمريكان وأدعموهم ... أدخل لتعرف كيف ؟؟ مهم [/align]

قديم 03-11-04, 10:02 pm   رقم المشاركة : 3
العبرى
عضوة قديرة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : العبرى غير متواجد حالياً

قصة رائعة

جعلتني أقف بعد قرأتها حائره

لاأعرف ماذا أكتب...ولا ماذا أقول...

ولكن!!!
شكرا مدير التعليم ... شكرا رئيس التحرير ... وداعا هيا ... وداعا هيا..







التوقيع

إن كانت ثمة روووح هنا..فلتحيا بـ عَ ـبرى أو تموت..!

قديم 04-11-04, 05:52 am   رقم المشاركة : 4
دمعــة أمـل
عضوه قديره





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : دمعــة أمـل غير متواجد حالياً

مع ان هذه القصه تحمل كثيرا من الاحزان والآلم.......
الا انك سطرت لنا لوحة بمنتهى الروعه.......
اخي شكرا لك على هذه القصة الجميله ......







التوقيع




[align=center][/align]


((إذا لم تستطع أن تنظر أمامك لأن مستقبلك مظلم ,وإذا لم تستطع أن تنظر خلفك لأن ماضيك مؤلم فانظر إلى الأعلى تجد ربك تجاهك فكن مع الله كما يريد يكن لك فوق ماتريد.وإذا اردت أن يكون الله لك كما تحب فكن له كما يحب))>>>ماأعظمها من حكمة..

قديم 04-11-04, 09:57 am   رقم المشاركة : 5
الرمادي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية الرمادي






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الرمادي غير متواجد حالياً

الرائع دائما وأبدا محمد الحضيف

ينتقي ألما من جسد مجتمعنا ليبث فيه الحياة

يطلقه بيننا حاملا إسما جديدا ( هياء )

هياء .. جرح أثاره الكاتب لنشعر بألمه بعد أن تناسيناه وأسكتناه بمسكنات الرفاهية الزائفة

هياء .. لم تمت بل ولدت من جديد داخل نفوسنا

هياء .. رسالة تحترق قد تصل بلهبها إلى المرسلة إليه وقد نطفئها بأقدامنا وقطرات العرق المتناثرة من أجسادنا لهثا خلف الحياة

هياء .. رائعة جديدة

أتحفنا بإختيارها ونقلها الأخ العزيز mam999




فتحياتي لكاتبها وناقلها







التوقيع

[fieldset=استراتيجية ..]
سقطت الأقنعة .. فاختنقنا .. ورحلنا !
[/fieldset]

موضوع مغلق
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 03:03 am.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة