بسم الله الرحمن الرحيم
هكذا يكون التأديب(قصة حقيقية)
وسط الزحام وكثرة الإنشغال تتوق النفس للترويح ربما للهروب من جفاء المادة التي أثرت علي كل شئ حتى مشاعرنا وربما لميل النفس لأنس الصديق فقمت قاصدا أبا
محمد صديقي لنتجاذب أطراف الحديث فرحب بي كعادته واصطحبني للطابق العلوي لمكتبه وكله سعادة لزيارتي وبدأنا تبادل الحديث و التنقل من موضوع للأخر وتطرق الكلام للسؤال عن الأهل و الولدان فبادرت أبا محمد قائلا إنني لا أملُّ من سماع قصتك مع ولدك الأكبر الذي سافر لدراسة الطب في أمريكا أود لو تحكيها لي
فضحك أبو محمد قائلا يبدو أنك أصبحت من المعجبين بهذه القصة قلت نعم لأنني أحس فيها بفيض من المشاعر المختلفة مما يعطيني تصور لما آل إليه حال كثير من الناس لذا أحب سماعها منك كلما التقينا فرد أبو محمد قائلا :
ابني محمد كان طالباً مجتهدا في دراسته جدا لذا قررنا ارساله لأمريكا لدراسة الطب هناك وأنت تعلم يا صديقي مدي تعلق قلوب الأبوين بولدهما الأكبر وتعلق أملهما به
فأعددنا له العدة ولم نبخل عليه بشيء وكلنا فخر به وسعادة لما سيحققه لنا وسافر وسافرت معه قلوبنا. نطمئن عليه صباح ومساء ونتابع أحواله وأخباره عبر الهاتف .
لا تدري كم كانت فرحتنا به عند سماع خبر تفوقه وفجأة انقطعت الاتصالات وبعدت المسافات بيننا وبين فلذة كبدنا فطارت الفرحة من قلوبنا واضطربت أحوالنا وصرنا لا ندري ماذا نفعل كيف نصل لولدنا كيف نطمئن عليه تُري ماذا حدث له أحي هو أم ميت وساورني شعور بالندم لماذا أرسلته لماذا أبعد ته عني ثم تداركت الأمر وحاولت أن لا أبدو بمظهر ضعف واستسلام أمام والدته فاستعنت الله وتركت كل المهام ولم يعد أمامي هدف سوي البحث عن ابني فحصلت على هواتف معارفه هناك وتبين لي بعد طول عناء أن ابني مازال حيا يرزق لكنه غرق في الشهوات وتعرف علي فتاة مكسيكية ثم تزوجها وترك الدراسة ويعمل في فندق لأجل العيش حاولت الاتصال به إرسال إليه رسائل لكن بلا جدوى أرسلت إليه أذكره بحلمنا الذي ضيعه
وأمالنا التي تاهت منه في أرض الغربه ومرت الأيام حتى صارت شهور وحالنا كما هو.
فيا لها من مصيبه... انظر كيف تنساب الكلمات مني الآن سهلة وهكذا المصائب كما قال نصر بن سيار (كل شئ يبدو صغيرا ثم يكبر إلا المصيبه فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر )
ثم سيطرت علينا فكرة وهي أن نذهب إليه لعله إذا رأني استحي وتراجع أو لعله إذا رأي حال أمه وانكسار قلبها وتحطم أمالها إنكسر قلبه لها, ولان
سافرنا لأمريكا ونزلنا أرضا لم نحلم بها قط لم يشغلنا فيها شئ لم تستوقفنا الثلوج ولم يؤخرنا الصقيع عن هدفنا.
وذهبنا للفندق فوضعنا حقائبنا وكان الوقت حين وصلنا إليه ليلا يجمع قسوة البرد وألم الغربة وآنين قلبين حائرين غير ما يخفي علينا خرجنا من الفندق نحلم باللقاء ووصلنا شقة ابننا وقفنا أمام الباب وقلوبنا ترقص فرحا لقرب الحبيب وتلعثمت الكلمات في أفواهنا بأي الكلام نبدأ وضعت يدي علي الجرس وزوجتي ترفع يديها للسماء وكانت المفاجأة ابني وزوجته يقفان في الشباك يتابعانا بعد أن علما بوجودنا وامتنعا عن استقبالنا حاولت الإشارة إليه متذللا افتح يا بني قدّر السفر ومشقته والليل وقسوته.... لكن بلا جدوي . والله لو رأيت والدته وهي تناديه بأرق الكلمات تغطيها بالعبرات لأبكاك حالها وعدنا وخيبة الأمل تلاحقنا والإحساس بالهزيمة يمزق قلوبنا لما كل هذه القسوة ؟
دخلنا الفندق والصمت يخيم علينا ليجوب القلب الحاني أجواء الأمل قلنا ننتظر للصباح ربما يتغير الحال ربما دفعه لهذا شعوره بالذنب وتسابقت المبررات لقلوبنا تعذره وتدافع عنه ومضت الساعات الباقية من الليل وفي الصباح دق جرس الهاتف فتسابقت قلوبنا إليه قبل أيدينا قلنا حقا لقد راجع ابننا نفسه ورجع إلينا ورفعت الهاتف فإذا بإدارة الفندق تطلب مني النزول لمقابلة الشرطة فأسرعت بإرتداء ملابسي ونزلت وأنا أحدث نفسي بأنني لست المطلوب ربما خطأ أو تشابه في الإسم ولكن المفاجأة الأخري عندما سألني الشرطي أنت فلان ؟ من بلد كذا ؟ وأنا أقول نعم قال وقّع هنا هذا تعهد منك بأن لاتقرب شقة فلان (ابني) وإلا ستعرض نفسك للعقوبة فقمت بالتوقيع وقلبي يغلي غيظا واختلطت المشاعر داخلي هم حزن غيظ يأس لشدتها ما استطعت الاستمرار في حديث النفس .
وعدت لغرفتي وزوجتي تتلهف تريد معرفة ماذا حدث تمالكت نفسي واسترددت جزءا من الإصرار والرغبة في الاستمرار قلت لها لاشئ لاشئ وعدت لأحدث نفسي قائلا أيمكن لولد صعلوك أن يغلبني وأعود منكس الرأس لا لا مستحيل مهما يكن لن أتركه لن أستسلم لن أتركه يستمر في الضياع مهما فعل ودعوت الله أن يعينني على مصيبتي ويرشدني لطريقة أنقذ بها ولدي وتذكرت قول الشاعر :
فأضيق الأمر أدناه من الفرج
إذا تضايق أمر فانتظر فرجا
وهداني الله للتعرف علي عائلة مكسيكية فقيرة بسيطة وحكيت لهم قصتي وقصة ولدي وما كان منه وعرضت عليهم فكرة لمساعدتي بمقابل مادي فقبلوا ولا يخفي عليك يا صديقي كون هذه العائلة مكسيكية سيسهل علينا الكثير وكانت خطتنا كالتالي أولا أن تنتقل العائلة المكسيكية من مسكنها وتسكن بالقرب من سكن ابني
أن يتوددوا إليهما ويبنوا معهما علاقة قوية
أن تقوم هذه العائلة بتقديم الهدايا وعرض النزهات علي ابني
آخر فقرة في الخطة دعوة لزيارة المكسيك تتحملها الأسرة المكسيكية (أقصد أنا )
وعليك بتصور كم كلفتني هذه الخطة
ونجحت العائلة في السير في الخطة وقربت ساعة الصفر وقامت العائلة بدعوة ابني وزوجته لزيارة المكسيك ولبى ابني الدعوة وسافرت إلى المكسيك أنا وزوجتي وسافروا جميعا ووصلوا للمكسيك وكنت في استقبالهم فلما دخل ولدي الشقة حاول أن يضع حقيبته ثم رفع رأسه فإذا أنا أمامه فلم يستطع الحركة بعد وتحجرت الكلمات في فيه فقلت له أهلا بمن أتي ثم انهلت عليه بالضرب ضرب متواصل حتى خر على الأرض يبكي وهو يقبل قدماي وأنا أزداد في ضربه وأقول لنفسي هل أنا في يقظة أم منام أريد أن أقنع نفسي أنني في يقظة بزيادة الضربات ربما تؤلمني يدي فأشعر أنني في يقظة وبعد أن تمكنت منه شعرت بطعم النصر و الأمل غطى الأفق حولي ثم قلت له أسمع (يا... ) لك تذكرة سفر إلى بلادنا وسترجع حالا ذلك وهو يقول حاضر حاضر.
وعدنا لبلدنا وكلي أمل رغم أن لسان حالي يقول "لقد لقينا في سفرنا هذا نصبا "
وعاود ابني الدراسة ثم قلت له سأرسلك لإكمال الدراسة مرة ثانية وإذا عدت لفعلتك الأولي سيكون مصيرك هذه المرة القتل والحمد لله سافر ابننا وأكمل دراسته وعاد طبيبا كما كنا نحلم
والحمد لله رب العالمين