القصه حقيقه وقعت في الرياض 
في حيّ من أحياء الرياض القديمة ، وفي بيت متواضع بسيط ، رنين الهاتف ، أطفال يتراكضون نحوه ، وبعد مداولة سماعة الهاتف بأيدي الأطفال ، تلتقط السماعة ( فاتن ) وهي الأخت الكبرى . 
فاتن : نعم مين ؟ 
تركي ( أب الأسرة ) : كيفك يا بنتي فاتن ، أبشرك أمك جابت بنت حلوووة مرة ! 
فاتن ( تصرخ فرحة ) : صدق يبه ، وأمي وش أخبارها ، عسى صحتها طيبة ؟ 
الأب : أبشرك يا بنتي أمك طيبة وما عليها خلاف . لبسي أخوانك وأخواتك ، وخلي أخوك ( ناصر) يبجبكم بالوانيت " الددسن " للمستشفى تشوفون أمكم . 
* * * 
وبعد أيام قليلة تخرج الأم ( نورة ) من المستشفى ، وبيدها طفلتها الصغيرة التي ُسميت ( أمل ) تيمنا بهذا الأسم الرائع ، الذي يشرق في النفس معاني التفاؤل والبهجة . 
البيت الصغير يعيش أيام سعيدة ، البيوت تنام ، وهذا البيت تظل أنواره مضاءة ، والأطفال محدقين بأمهم وأختهم الرضيعة ، وكل واحد منهم يدللها ويدلعها ، ويلعب معهما ، ويحاول إضحاكها . 
وتمر بضعة شهور وبعد عدة مراجعات للمستشفى ، ُيسْر أحد الأطباء للأب ( تركي ) بأنه هناك احتمال كبير أن ابنتهم الرضيعة مصابة بشلل ولكنه يتمنى أن يكون احتمالا ضعيفا ؛ يحزن الأب ولكن نفسه تحادثه بأنه مجرد احتمال وربك لطيف رحيم . 
وتمضي بضع سنوات ... فيتأكد الأب والأم من أن الطفلة ذات الأربع سنوات فعلا مصابة بشلل ، وأنه كتب عليها أنها ستبقى هكذا طوال حياتها ، التي يلوح في الأفق أنها ستكتبها بحروف من الدموع والسهر والوحدة ! 
* * * 
وتمضي السنوات ... وتنتقل العائلة من الحيّ القديم إلى حيّ جديد ، وتنجب الأم ( نورة ) أخوات بعد ( أمل ) ، وكبرت ( فاتن ) وأصبحت فتاة رائعة ذات طلعة بهية ، وكبر ( ناصر ) وكبر بقية الإخوة والأخوات ، حتى ( أمل ) الفتاة المعاقة صاحبة الكرسي المتحرك كبرت ، وصارت فتاة مملوحة ، ونسي الأهل مع الاعتياد مأساتها ، بل هي نفسها نسيت مأساتها وسارت في دروب الحياة ، دون أن تفكر في المستقبل ، لأنها بصراحة لا تريد أن تفكر به أصلا ، بل تريد أن تتجاهله قدر ما تستطيع ، وماذا يا ترى ستخبئ لها الأقدار أيضا ؟! 
الأب الرحيم ( تركي ) والأم الرحيمة ( نورة ) لم يغمض لهما جفن ، إلا وهما يفكران في مستقبل هذه البنت المسكينة ! 
فمن سيقبلها زوجة ؟ 
من من الشباب سيرضى أو يتنازل أن تكون شريكة حياته فتاة معاقة بكرسي متحركة ؟ 
آه ... كم أرّق هذا الهم الأب الرحيم والأم الرؤوم ؟ 
كم أفزعهما من لذة النوم ، وكم جعلهما يحملان هماً عظيما في كل لحظة ، مسكينة أنت يا أمل ، اسمك ( أمل) ولكن والدك ووالدتك في قلق شديد على مستقبل ، وهما يستفهمان في حيرة : هل لهذه البنت المسكينة مستقبل لأن تكون أماً وربة منزل ، مثلها مثل بقية مثيلاتها من الفتيات ؟ 
من سيعطف عليها ؟ من سيرحمها لوجه الله ؟ 
ولكن الأب حينما يرى ابنته ( أمل ) فإنه يخفي دموعه ، ويستبدلها بابتسامة حانية ثم يضم هذه المراهقة الضعيفة إلى صدره ، هذا الصدر الذي يضطرم بنار الأم والشفقة لهذا المخلوق الضعيف ، وهذا الطائر الجريح . 
* * * 
فاتن الأخت الكبيرة لأمل تتزوج ، وتسافر مع زوجها للخارج لإكمال دراساته العليا ، والأخت الأصغر يتقدم لها شاب رائع مثقف ، فتتم الخطبة وسط فرح وبهجة ، وأمل بقيت قابعة في كرسيها المتحركة ، ولكنها فرحة لفرحة أخواتها . 
الضغوط تزداد على الأب والأم يوما بعد يوم ، وهم يرون الأخوات الأصغر من أمل تخطب الأخرى تلو الأخرى ، وأمل الفتاة المعاقة لا يلتفت إليها أحد ! 
أمل تتجاهل كل ما يحيط بها وتتظاهر بالتجلد والصبر وعدم المبالاة ، وتضع أمامها هدفا واحدا فقط ، مستقبلها الدراسي ، ومواصلة دراستها الجامعية بتفوق ، دون أن تتعب نفسيتها بالتفكير بالأمل المشرق الذي قد يطل عليها ، أو قد لا يطل عليها إطلاقا ! 
وهكذا تمضي أمل بعزيمة وتصميم وقوة ، تثب نحو مستقبل رسمته جيدا ، كلمة واحدة فقط كانت ترددها أمل لصديقاتها في مكالماتها الهاتفية ، وأمام والديها : ( مستقبلي في دراستي ) وكأن تلك الكلمات عزاء وتسلية لنفسها المعذبة . 
وبعد الجد والاجتهاد والصبر والتحمل تتخرج أمل من الجامعة بتقدير متفوق ، وسط فرحة أبويها بهذا الانجاز الرائع ، وتتخرج زميلات أمل معها ، وسط احتفالات النجاح والتفوق ، ولكن سرعان ما ذبلت هذه الفرحة ، بتفرق الصديقات بعد الاجتماع الممتع في الجامعة ، فهذه إحدى الصديقات تتزوج وتذهب مع زوجها ، وهذه تسافر لبلدها ، وتلك تختفي وكأنها لم توجد أصلا ، وتعود أمل المسكينة وحيدة مرة أخرى ، ليس في البيت سوى الأب الرحيم والأم الرحيمة والفتاة أمل المعاقة ذات الكرسي المتحرك ! 
* * * 
يهمس الأب في أذن الأم ... 
الأب : يا أم ناصر إلى متى تبقى أمل هكذا ؟ أمعقولة تبقى معنا إلى الأبد ! 
الأم : صدقت ... ثم لو قدر الله وحصلنا شيء من سيكون لأمل ؟ 
( وترتسم دمعات دافئة على خد الأب والأم في صمت رهيب ، ودون أن ينظر أحدهما للآخر... وفي لحظة يحاول الأب فيها استدرار الأمل والتفاؤل فيقول : ) 
الأب : يا أم ناصر .. ربك رحيم ، وما راح يفرط في أمل ، أمل بنت ديّنة وحبوبة ومؤدبة وألف واحد يتمناها لو ما هي معاقة ، ثم الإعاقة ما هي مشكلة كبيرة ! 
الأم : صدقت والله ... أيش في بنيتي ، والله إنها تهبل ، ويا سعد من ياخذها ، أمه داعية له . 
الأب : وبالنسبة لإعاقتها فأنا أتكفل بخادمة تهتم بها وترعها ، ولا نريد الزوج يدفع أي مصروف على تلك الخادمة . 
الأم : وأنا بعد أزورهم كل يوم واطمئن على بنيتي ، وأقوم بكل ما تحتاجه ، وما على الزوج إلا يدخل البيت ويشوف قدامه عروس تهبل زي القمر . 
( وهنا يضحك الأب والأم .. في محاولة لازاحة الحزن واليأس بأي طريقة عن ابنتهم المتبقية المسكينة المعاقة أمل ) . 
ويوفق الله الفتاة الطيبة أمل بوظيفة محترمة ذات دخل جيد ( مدرسة ) في مدارس للتربية الخاصة للمعاقات ، ويلوح في الأفق أمل جديد يبشر بالخير ، ويبعث بالتفاؤل والفرحة للفتاة ولأبيها ولأمها وهما من تكدر فكره فلا ما تمر لحظة إلا وهمّ أمل يتراءى لهما كل حين وفي كل زاوية .