الســـــلام عليكم ..
ذات فراغ .. جلست مستظلا بشجرة زيتون وارفة الظلال في مزرعتنا العامرة و أنا أحلق ببصري في أصناف شتى و ألوان مختلفة"" لمنتسبي مملكة الحيوان العريضة .. شاهدت العصافير المغردة في أقصى درجات الإنسجام .. شاهدت بعض الخراف التي تمضي هنا و هناك و لا هم لها إلا تناول العشب الأخضر و تجرع الماء النقي الذي يخرج من الأرض بأمر ربها .. يقولون أن الحيوانات تعيش بلا قانون !! .. كلا .. لعمري إن لها لقانونا عجز العلماء عن إدراك كل خفاياه و تفاصيله.
.. بقي حمارنا واقفا تحت شجرة التوت التي ربط حولها بهدوء شديد .. تعجبت من قدرة هذا الحمار على البقاء صامتا طوال اليوم .. اقتربت منه و قمت بفك وثاقه ثم قدته إلى الحقل الذي اعتاد الرعي فيه .. تناول قضمة من العشب و قام بعلكها .. رفع رأسه بعدها يرمقني بنظرة غريبة ثم عاد للأكل مجددا ..
.. لم يكن هذا الحمار يحتج لأن أكله اليومي هو العشب و لا شيء غير العشب .. بل و لم يكن يزعجه أننا معشر البشر من يقرر له ماذا يأكل و متى يأكل بل و أننا نظل نربطه طوال عمره القصير دون أن نسمع صوته .. اللهم إلا بعض السمفونيات التي تتردد بين الفنية و الأخرى .. لا أدري أيقولها مديحا لي أم استنكارا .. أم أنه يقولها لمجرد أن يقول.
والحمار أكرمكم الله مخلوق غير محترم لدى كثيرٍ من الناس .. فعندما يريد مخلوق من بني البشر إهانة أخيه فإنه يقول "انت حمار" .. و عندما يهين الأستاذ طالبا فهو يقول "أين الواجب يا حمار" .. بل و حتى الفراعنة خلّدوا الكثير من الحيوانات مثل القطط والأفاعي والطيور وابن آوى .. لكن الحمار المسكين لا مكان له من الإعراب فلم يخلد بمعني لم يتكرر رسمه مثل بقية الحيوانات عند الفراعنة.
و كما تعلمون .. فإن للحمار صوتا يسمى نهيق .. فهو يسحب الهواء بقوة في حركة .. ويخرج زفير الهواء المسحوب في الحركة الأخرى .. وصوته مكون من مفردتين اثنتين فقط الأولى هي قوله ( هيييييييييع ) عند الشهيق ، والثانية ( هااااااااااااااااع ) عند الزفير.
قلت .. حتى هذه لم يسلم منها الحمار .. فقد تفنن بعض مطربو هذه الأيام في محاولاتهم العابثة لافتكاك لقب "أنكر الأصوات" من الحمار .. فلم يدّخروا في ذلك جهدا .. ولكنهم لن يفلحوا فسيبقى أنكر الأصوات صوت الحمير.
أعرف أن الحمير لا تكلم البشر .. لعله العداء الأزلي فكلكم يعلم أن الحمار هو مثال يحتذى به عند بني البشر في الغباء .. مع أن بعض علماء البيطرة أثبتوا تفوقه على الحصان .. و أستطيع بكل بساطة إثبات تفوقه على بعض البشر !! ..
وأنا أقدم اعتذاري الشديد للسيد الحمار لأني شبهته ببعض البشر و هو تشبيه لا يجوز .. فالله تعالى يقول عن بعض البشر .. ( إن هم إلا كالأنعام بل أهم أضل سبيلا ) .. و الحمار يسبح بحمد الله سبحانه .. قال تعالى ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ).
بعد تردد دام للحظات .. سألته قائلا ..
أيها الحمار .. عجبت كيف يعجبك هذا الوضع الذي تعيش فيه .. لماذا لا تبدأ بتناول الفواكه فهي أمامك تتدلى من الأشجار .. كيف تتركها جميعا و تهنأ بهذا العشب ؟
رفع الحمار رأسه ناظرا إلى السماء مستنشقا دفعة من الهواء بمنخريه الكبيرين .. ثم أخرج لسانه هازئا و دار حول نفسه دورة كاملة و هو ينظر إلى جنبيه.
فهمت أنه أراد أن يقول .. "الحمار يبقى حمارا و لو لبس ثوب أسد".
كم من حمير في هذا العالم يخفيها ثوب ليس ثوبها .. كم من حمار في هذه الدنيا يمشي على اثنتين في حين تمشي الحمير على أربع.
و كما يقول الشاعر ..
""ولو لبس الحمار ثياب خز .. لقال الناس يالك من حمار !!
اعجبني فنقلته لكم