_2_
حينما خرجت جذبني الضجيج في الشارع .. فأسرعت نحوه
كانوا الناس يتوافدون من الصلاة مباشرة نحو السيارة التي ستقل الحجيج .. هي ليست من نوع الباصات الآن .. بل ذلك كان في مطلع التسعينات , فالأمر إذن يختلف .. فهي تعرف في ذلك الوقت بالحمالية و هي من النوع الفورد وانيت , و كانوا يضعون له دورين .. الدور الأول تحشر به النسوة ..و كذلك الرجال يحشرون في الأعلى ... لم تكن تعنيهم الرفاهية في ذلك الوقت أبدًا .. كلما يعنيهم أن تتم مهماتهم.. فكانت هذه الوسيلة أحد المتممة لمهماتهم..
فكأنما الآن أعيش المشهد .. فلازلت أذكره بكل تفاصيله .. لن تغيبه كل هذه السنين , فالرجال وهم يتجمهرون أذكرهم بوضوح الآن .. فأحدهم يقوم بشد الحبال .. و الآخر يعتلي الوانيت ليحكم الشد على الخيام .. و الجميع في هرج و مرج .. و الضوضاء عارمة .. و الدعوات مختلطة بالأوامر.. و التي يوزعوها رابطي العفش على مساعديهم .. و جموع الناس تنظر للحجيج كأنهم ملائكة , و الكثير يتبرك بتقديم يد العون . و هناك من يزاحم للفرجة و الفضول فقط.. و مما أذكره , سائق الرحلة .. فقد كان جنتل .. فهو يعامل معاملة خاصة .. بمعنى يكون دوره قيادي فقط .. يجلس داخل مقصورة السيارة .. و ليس مطلوب منه شيء سوى الراحة .. ليستعد لهذه الرحلة الطويلة .. لا أظن إن الرجل كان من حيّنا ..؟؟ فوجهه كان غير مألوفًا إلي .. فرجال الحي أكاد أحفظهم فردًا فردًا .. من خلال تجمعاتهم .. و الطرقات الضيقة التي كانت تألف قلوبهم ..... و لكن الرجل كان غريبًا علي بالفعل .
يشق الضجيج صوت جهوري مكبرًا و محمِدًا ..لم أكن لأجد صعوبة في التعرف على صاحب هذا الصوت فهو ( المطوع ) ...فقد كان أمام المسجد و قد تعارف الناس على من يئمهم أن يطلقوا عليه هذا المسمى.. تقديرًا له . و ينال ليس فقط هذا اللقب ..بل يكون له حضوه كبيرة.. فهو المستشار و المؤتمن.. و الخطيب و المفتي .. كل هذا يكون ( للمطوع )
و قد كانت النساء بعضهن يجافين* أبواب البيوت و يسرقن النظر إلى الحجيج .. و الآخر منهن يخالطنهم ..و يتسترن بعباياتهن و كان من الأشياء الملفتة إن النساء ترفع العباة إلى ما فوق الركبة بكثير.. فتظهر ملابسهن , فالعباة يصبح شحيح عليهن. و كان ذاك عرف عند النساء آنذاك.. لا أعلم لماذا..؟؟ و لكنه كان من الأشياء الملفته فذكرته..
و أذكر من بين الضجيج جارتنا فقد اقتربت من أمي كثيرًا و همست لها .. :" أدعي لي بالذرية عند الكعبة " و وعدتها أمي , و انسلت هذه الجارة من بين الضجيج لتعود أدراجها .. فكأنما جاءت فقط لتوصي أمي , فهي بمثابة الصديقة لها , و لكنها الآن امرأة خمسينية و لم تنجب .. فلا أعتقد أن أمي لم تقم بواجبها بالدعاء .. فأمي امرأة أمينة جدًا , و لكنها إرادة الله ..
* يجافين.. هذي الله يسلمن بلشت في كيفية أيراد كلمة مناسبة فأسقطت هذه