يحدث دائماً أن يدعوك الصديق في لحظات متأخرة إلى نثرية عشاء حافلة بالسمر والأنس والمتعة .. فتستجيب سريعاُ وقلبك بين قدميك خوفاً من تراجعه فذهاب الكلفة بايسن فطري للقلوب المحبة .. فلا غرابة أن تحدث هذه الاستجابة السريعة ولا غرابة أن يحدث قبلها تلك الدعوة المتأخرة .. الغريب في الأمر هو أن يدعوك الصديق لنثرية عشاء والمسافة بينكما تتجاوز 200كم .. مع إدراكه التام أنك لا تستطيع المبيت في مكان الدعوة
نعم يا سادة .. كنت محظوظاً يوم الثلاثاء الفارط حين هاتفني صديقي ( أبوصالح ) .. ذلك المعلم الشهباوي في هجرة سامودة ، والذي يقضي بقية يومه في مصافط الدهنا وتقليب فروش الحجرة .. ماعلينا منه خلونا في سالفتنا
مع آذان العصر هاتفني هذا الصديق ليخبرني عبر أثير الهاتف عن تلك الرمال الذهبية من الدهناء وكيف هو يفترسها الآن ويغرس ساقيه في رملها المشوب برائحة الطبيعة ، وحدثني عن شجرة الأرطى الكبيرة التي يستند على رملها المرتفع و يوقد النار في ذراها الدافئ ، ثم حدثني عن جمال السماء وصفائها في تلك اللحظات الدهناوية الجميلة فهي أشبه بالحلم منه إلى الحقيقة ، ثم زاد في إغراقه الوصفي ليحدثني عن قطع السحاب التي يراها فوق رأسه وعن يمينه وشماله وكيف هي ناصعة البياض وبديعة التضاريس وكأنها قوالب من الثلج المتحشرج ، ثم حدثني عن عبق القهوة وصوتها النابر العذب ، ولم يكتف بهذا بل حدثني عن ذلك التمر الفاخر ذا اللون الذهبي والحبات الكبيرة وكيف يتراقص بريقه على ألسنة اللهب ، ثم حدثني عن أغصان الأرطى الصغيرة والكبيرة وهي تصطلي بنار الأنس والتتابع ولم ينسى أن يحدثني عن رائحتها العطرة وكيف هي تضوع المكان وتخالط الأنفاس ، ثم كانت القاصمة في تشويقي حين حدثني عن رشة المطر التي أهلت عليهم ليلة البارحة فأورثت النقاء والصفاء في النفوس قبل السماء .. ثم أجهز على قلبي وما تبقى من تماسكي حين حدثني عن ذلك الخروف الصغير الذي يدرج في سن الرضاعة وبراءة الطفولة وكيف أزهق روحه الطاهرة من أجل تشريفنا وزيارتنا هذا المساء .
وهنا يا سادة لم أجد مناصاً ولم أحر جواباً غير أن أمتطي صهوة سيارتي مشمراً عن إطاراتها عازماً على مقودها ،أنهب الأرض نهباً وأخب الطريق خباً .. وماذا عساني أفعل غير ذلك .
كنت أغذ السير وأسابق شمس الأصيل ورغبة ملحة تجتاحني بأن تكتحل عيناي وتمتلئ رئتي بعبق الدهناء قبل غروب الشمس .. فسحرها الحلال يخفت كثيراً بعد الغروب .. وقد تمّ بتوفيق الله ورعايته ما أهمني أمره ، فقد وطئت المكان وشمس الشتاء قد قطعت بوردنق المغادرة وتأهب قرصها للرحيل .. لكن لا بأس
والآن هاكموا خمس لقطات تحكي شيئاً من فتنة الدهنا الأزلية :
اللحظات الأولى لدخولنا الدهنا خير دليل على حقيقة ما تفوّه به حبيبنا أبو صالح السامودي
V
V
شجرة الأرطى : تبقى شامخة .. فاتنة .. أسرة .. جميلة .. ويتأكد هذا الشعور الوجداني مع طقس رائع كهذا
V
V
هنا يظهر أبو صالح السامودي وهو منهمك في إعداد القهوة وتلحيق النار ... الخ طقوس القرامة وهبهبة الريح
V
V
هنا تظهر شمس الغروب وهي تحتضر ببقية شعاعها ، وتغرغر بتراب الدهناء الطاهر
V
V
مع هذه اللقطة تكاملت روافد الأنس في نفسي
V
V
مع السلامة .. وعيدكم مبارك مقدماُ لمن قضب بيته .. وحجاً مبرور مقدماً لمن قضب الطريق