أخذ الجمل لقب ( سفينة الصحراء ) عن جدارة واستحقاق لا يمكن التشكيك فيها ، فهو إضافة على صبرة الطويل دون كلاء وماء فهو يمتلك حاسة شم مذهلة يدرك من خلالها موارد العرب وينابيع الأرض ، حتى أصبح البدوي حين يتيه في الصحراء وهو يمتطي ظهر مطيته ويعجز عن تحديد الجهة الصحيحة ويدركه العطش ، يطلق العنان لذلولة تذهب به إلى حيث تشاء ، فكانت تتهادى به حتى تصل إلى أقرب مورد ماء .
هنا .. موقف يندر تكراره
كانت النوق الثلاث في أشد حالات العطش .. وشاء القدر أن تشتم من مسافة بعيدة رائحة الماء الزلال ، فأخذن يخبطن الأرض نحو هدف الري ورائحة الماء .. وحين بلغن المكان كانت مفاجأة غير سارة لجميلاتنا الثلاث .. أتدرون ما السبب ؟؟
لقد كان الماء في قعر ( تانكي ) .. محكم الحفظ من جميع الجهات عدا الفتحة العلوية والتي يملأ التانكي من خلالها .. وهي صغيرة نسبياً فلا تتسع لغير رأس واحدة .. ولأن العطش لا يقبل التروي والتأخير وقد يكون هناك النفاذ .. لذا سارعت جميع النوق الثلاث وفي لحظة واحدة إلى إقحام رؤوسهن في فتحة ( التانكي ) من الأعلى بغية الوصول إلى قعر التانكي .. أتدرون ما الذي حدث بعد هذا ؟
لقد تزاحمت الرؤوس في فتحة التانكي الضيقة ثم تخالفن الحركة حتى تشاركن النهاية .. فأصبحن لا يستطعن الخروج كما لا يستطعن شرب الماء .. ولأن هذا ( التانكي ) في مكان قصي ومهمل من حيث التواجد اليومي .. فقد تعبت جميلاتنا الثلاث وأنهكهن العطش وخنقهن التشابك .. وفي النهاية تراخت أجسادهن الكبيرة في الفضاء الخارجي بعيداً عن عين الرقيب والمنقذ .. وشيئاً فشيئاً لفظن الأنفاس وأسلمن الروح إلى بارئها .. وبقيت أعناقهن متلاحمة في فتحة ( التانكي ) .. شاهداً على حكمة التروي وأفضلية التريث والنظام .
والأن أحبتي الكرام .. سأمنحكم إطلالة محزنه على هذا البؤس البعيري :
.
.
.
..
.
.
.
.
والآن .. رددو معي قول الله تعالي : (( وجعلنا من الماء كل شئ حيا ) )