عشق المدينة
يتوجّب علـيّ زيــارة المدينة بين الفيـنةِ والأخــرى لقضاء مصلحـةٍ أو لزيـارة صديـقٍ , أو للتزوّدِ مـن شتى العلـوم والمعارف .. كلّما سنحت لـي الفرصة .. فـإن أهم ما يميزُ هذه المدينة عـن غيرها من المدن المألوفة هو خـلوّها من الصخب والضجيج .. بل لا تسمع لأحـدٍ ينبسُ ببنت شفــة .. فــما إن أتنقّلُ بين شـوارعِـها .. وأقسامِـها .. وأزقّتِـها ..وميـاديـنها
إلا وأُقـابـلُ صديقٍِ أسترشـدُ بـرأيـه وأنهـلُ مـن تجاربـه
أو خبيرٍ فـي مجـال الحـاسوب لا غنى لمستخـدم هـذه التقنيـة العجيبـة عمّا لـديـه مـن مـعلومـات تفيـد المبتدئين أمثـالـي
أو سمـاع معـلومـات عـن مشاريـع مستقبليـة تـزيـدُ مـن رفـاهيـة المـواطـن وتسـاهمُ في استقــراره وتبشّـره بغـدٍ واعـد
أو قـراءة لأديبٍ يتـحفـنا بـرائعـةٍ مـن شتى صنـوف الأدب تـطـرب النفـسُ لـها
أو سمـاع خبـر وفـاة يـذكّـرنـا بـالآخـرة ويشحـذ هممنا للإستعداد للـرحـيل مـن هـذه الـدنيا الفـانية ، فـكـم نـحن بـحاجـة لمـن يـذكّـرنـا بـالـدار الآخـرة والتـزود لـها بـالعمـل الصالـح
فبعـد كـل زيـارة أجـدُ نفسـي تـوّاقـة لتكـرار الـزيـارة عـمّا قـريب
فتنـازعني نفسـي بـإلحـاح شـديـد إلـى العـودة مجـدّداً
فكنتُ خـلال زيـاراتـي المتكـررة لتلك المـدينـة أقبـعُ خـلـف شاشتـي الصغيـرة متكأً على أريكة قــد إلفـتُها وألفتنـي لكثـرة مكـثي بـجوارهــا ..
ممـسكـاً بـالـفـأرة أوجـهها يـمنة ويـسرة فـتجولُ فـي تـلك المساحـة الضيّقـة ويـجولُ معهـا بـصري أيـنما أتجهت وأُديـرُ العجلـةًًًًًًًًًًًًًَََ الصغيـرة بـالسبّابـة التـي ربمـا أشفقت عليهـا الوسطـى فناوبتها العمـل
فأتجول والصمت يخيّم على جو المكان الذي لايجرؤ أحدٍ على قطعه سوى إبنتي الصغيرة التي لم تبلغ العام الثاني من عمرها فتتعمّد أن تطبـق الشاشة إلى لـوحـة المفاتيح وتولّي هـاربـة تتعالى ضحكاتها البريئة لعلمها أنّ ما ارتكبته أمراً
يستوجب معه تأديبها
فأحتضنها قليلاً لأطيب خاطرها ، وكأن لسان حالها يقول : نريدُ أن تمنحنا جـزأ من وقتك يا بابا
فأمنحها ما أرادت حتى تلهو وتلعب وتسلو نفسها
فأعاود التجوال ُ فـي بسـاتـين المدينـة .. التـي يجـتمع سـاكنيها علـى الإلفـة والمـودّة والإخـاء ، وحب الخيـر والتضحيـة ، وبـذل المعـروف ، وإفشـاء السلام .. فأتـوقـف بيـن مـروجها وأستمتـع بمـرأى جـداولها الـــرقـراقــة ، وأشتمّ رائحةً عبيرهــــا
فأمنحُ عقلي قسطاً من الــرّاحة بعيداً عــن هموم العمـل الـروتيني الممل .
فأسال الله الكريــم من فضله أن يديـم علينا هـذه الإلفـة والمـودة
وأن يجمعَنا بـدارِ كـــرامته كما جمعنا على الخـير فــي حياتــنا الدنيا 0