السيد الراغب في الثأر
الإناء الفارغ وحده هو الذي يٌحدث صوتأ, لكن رجلنا هذا يختلف قليلاً, كلمة واحدة تصف هذا الرجل بدقة: جبل, وبرغم القوة التي يحوزها, لكنه ما يزال يُحدث أصواتاً عديدة عالية, خصوصا عند الحديث عن نفسه, وعندما يتحدث – يطري - عن نفسه فهو يختلق الأكاذيب, وبرغم من الحسنات العديدة التي يتسم بها, فهو لا يتحدث عنها, وكأنه فقط يبحث عن ما لا يملك ..
بقي شيء واحد جدير بالانتباه في هذا الرجل: هو انه يرغب بالثأر, يرغب بالثأر بقسوة, بساديه, بشيطانية .. ممن؟ .. لنختصر الحكاية ولنقل: شخص لديه ندبه على خده, لا يستطيع أن يثأر منه أحد؛ لأنه ميت.
رغبته العارمة, المُشرذمه, التائهة بالثأر صاغت خصاله, سلوكه, وشخصيته, لن نبالغ إذا قلنا أنها حددت حتى معالم وجهه, حتى صار وجهاً ثائراً يليق برجل ثائر.
في الحقيقة إن سبب كذبه المتكرر هو محاولة للثأر من ما لا يملك ..
وأيضا تجاهله محاسنه هو شكل من أشكال النكاية بها ..
أدنى حوار معه, أصغر مقارنه به, تتحول لمبارزة خاسره سلفاًً, تحتاج منه ثأراً مقدماً.
لا يليق بالورود الجميلة أن تورق في ساحة الحرب؛ إنه استعلاء لكل من الورد وساحة الحرب, كل منهما أرفع من أن يقترب من الأخر, أيضا لا يليق بالثائر أن يتزوج, كما لا يليق بورده جميله أن تقترن بثائر؛ فالوردة الرقيقة تحتاج يداً أنعم للعناية بها.
على كل حال, تزوج ثائرنا بالوردة الجميلة, وحدث ما لم يكن بالحسبان بعد هذا الارتباط؛ فعوضا من أن تستحيل الوردة الجميلة صباراً يتحدى قيظ الصحاري, صار الثائر من الدواجن المنزلية.
تزوج الثائر وصار لديه ما يخشى فقدانه, صار حريصاً, و”حريصا” تختلف بالطبع عن “جبان”, لكنها في الواقع ليست عنها ببعيدة؛ فالكل يتفق أن أكثر الرجال إثارة للرعب هو ذلك الذي ليس لديه ما يخسره, أو ما يحرص عليه, أو وربما المسألة تتجاوز موضوع الحرص؛ ربما أقتنع ثائرنا أخيراً أنه لا يستطيع أن يثأر من رجل ميت.
* * *
إلى السيد الذي كان راغباً في الثأر:
عمت صباحا, أبارك لك زواجك, وبالرفاه والبنين …
سيدي لو كنت ثائراً حقيقياً للحقت بذا الندبة حتى باب جهنم ..
أتمنى لك حياة سعيدة.
ميليمتر قبل خط النهاية
العبقرية هي أن تُعجِز الناس أن يفعلوا مثلك فيبدءون بتقليدك
سعود العمر