[c]عليك منا سلام الله ما بقيت .. صبابة بك نخفيها ، فتخفينا
سلام نرسله لكم من هناك .. من قصر الحمراء .. و طرطوشه .. ومن العقيق و قرطبه .. مضمخُ الأنفاس .. طيب النشر ..
و بعد ..
( متنبي .... لا تعليق
)
لا أخفيكم أن الموضوع اجتذبني رغماً عني ..
كيف لا .. و الحديث عن الأندلس ؟؟
و لا أبوح بسرٍ أيضاً عندما أقول أنني من المتتبعين لتاريخ الأندلس و حالة الشعر فيها و تطوراته ..
فأقول مستعيناً بالله ..
كما نعلم .. فإن تلك الفترة من الزمان التي عاشها المسلمون في الأندلس تمثل نهضة عمرانية و ( شعرية ) كذلك ..
أما العمرانية .. ففي القصور الشاهقة التي وقف المفكرون و الدراسون أمامها مذهولون إلى عصرنا الحاضر ..
و أما التطور الشعري ...
فأورد بعض النماذج ..
مثلاً .. ابن زيدون
له قصيدته المشهورة ..
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ,, و ناب عن طيب لقيانا تجافينا
و هي قصيدة مشهورة .. و لا أرى ضرورة لإيرادها بسبب ذلك ..
و له قصيدة رائعة أيضاً يقول فيها
أأُسلب من وصالك ما كسيت ؟ ,, و أُعزل عن رضاك و قد وليتُ ؟
و كيف و في سبيل هواكِ طوعاً ,, لقيتُ من المكاره ما لقيتُ !
أُسر عليك عتباً ليس يبقى ,, و أُضمر فيك غيظاً لا يبيتُ
و ما ردِّي على الواشين إلا : ,, رضيتُ بجور مالكتي .. رضيتُ
و كذلك يقول :
ودّع الصبر محبٌ ودّعك ,, ذائعٌ من سره مااستودعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ,, بتُّ أشكو قصر الليل معك !!
و كذلك بما أنا ذكرنا ابن زيدون .. علينا أن نذكر ولادة بنت المستكفي ..
حيث تقول :
ألا هل لنا من بعد هذا التفرقِ ,, سبيلٌ فيشكو كل صبٍّ بما لقي ؟
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ,, و لا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً ,, بكل سكوبٍ هاطل الودق مغدقِ
( أبعد هذا شعر ؟؟؟ )
( وقفة بسيطة :: هذا النص و أمثاله يقف معارضاً لمن يسلب المرأة حقها الشعري )
كذلك يقول لسان الدين الخطيب :
جادكَ الغيثُ إذا الغيثُ هَمى
.......... يازمان الوصل بالأندلسِ
لمْ يَكُن وصلكَ إلا حُلُما
........... في الكرى أو خُلسة المختلسِ
مالقلبي كُلّما هَبّتْ صبا
............... عادهُ عِيدٌ من الشوق جديد
جلب الهمّ له والوصبا
............... فهو للأشجانِ في جَهدٍ جَهيد
كان في اللّوح له مُكتتبا
............... قولُهُ : إنّ عذابي لشديد
لاعجٌ في أضلُعي قدْ أُضرِمَا
.............. فهي نَارٌ في هشِيم اليَبَسِ
لمْ يَدعْ في مُهجتي إلاّ دَمَا
.............. كبقَاءِ الصّبحِ بَعدَ الغلَسِ
و هي قصيدة ماتعة بحقّ
مع هذا .. و مع شواهد أخرى من الشعر الرائق يتبين لنا تطور الشعر في الأندلس ..
و أستطيع أن أجزم بأن الشعر قد وصل إلى أعلى مراتبه في هذه المرحلة .. و خاصة الشعر الوجداني ( و أقصد به النسيب و التشوق و الحنين للديار )
و كذلك فإنا لا ننسى بأن الشعراء في تلك الفترة استحدثوا نوع جديد من الشعر .. و أقصد بذلك .. الموشحات ( كقصيدة لسان الدين الخطيب )
( و قد نظم الكثير من الشعراء في العصر الحديث في هذا اللون من الشعر و منهم .. أحمد شوقي .. حيث يقول في موشحته الأندلسية :
من لنضوٍ يتنزَّى ألما ,, برَّح الشوقُ به في الغلسِ
حنّ للبان و ناجى العلما ,, أين شرقُ الأرض من أندلسِ
إلى آخر قصيدته الرائعة )
و من هنا تتضح لنا نقطة هامة و هي مربط الفرس و بيت القصيد ...
إن كانت الأندلس تتمتع بهذا الازدهار .. فما الذي أسقطها ؟!
قيل أنه الافتتان بالجنان و الغواني ؟؟؟؟؟
هذا ليس بسبب ..
إنما هذه نتيجة للسبب الذي هو .. ( تدنِّي الهمم ) ..
و أسوق لك أيها القاريء هذه القصة التي أوردها المؤرخون لكي تتضح لك الصورة ..
<< يروى أن المسلمين عندما دخلوا الأندلس طردوا بقايا النصارى الذين رفضوا الخضوع لهم إلى قمم الجبال الشمالية، حيث كونوا مملكة لهم بقيادة « بلاي » وأصبح ملكاً لهم.وحينما جمعوا أمرهم وقويت شوكتهم، أرادوا حرب المسلمين واسترجاع أرضهم. ورأوا أن الأمر يحتاج إلى روية ودراسة حال المسلمين، فأرسل ملكهم « بلاي » جاسوساً لينظر حال المسلمين كيف هي.عبر الجاسوس النهر وخرج على شاطئ المسلمين فوجد فتية صغاراً يتنافسون في رمي النبال، ووجد من بينهم واحداً منفرداً يبكي فسأله عن حاله وماذا ألم به؟ فقال: إني أخطأت الهدف فقال الجاسوس له: وماذا يعني ذلك؟!قال الفتى: إني أتدرب على الجهاد في سبيل الله وإن كانت هذه حالي فكيف بي في الجهاد؟رجع الجاسوس لملكه وقال له: لا طاقة لكم بهؤلاء القوم مادام فتيانهم الصغار هذه همتهم.وتمر السنون تلو السنين، ويرسل ملكهم جاسوساً آخر وعندما عبر النهر وخرج على المسلمين فإذا بهم قد وهنوا وغرتهم الحياة الدنيا. فوجد مجموعة من الرجال وقد احتدم بينهم النقاش، وحولهم جواريهم، فسألهم ما أمركم؟قالوا: نتنافس بجمال جوارينا. وإذا بأحد الرجال منعزل عنهم مهموم.. قال له الجاسوس: ما أمرك؟ فأخبره بأن خاتم جاريته سقط في النهر. حينها رجع الجاسوس وقال أقبلوا على القوم فقد فسدت أخلاقهم!!فماذا كانت النتيجة ؟! ضاعت الأندلس <الفردوس المفقود> >>
هل لا حظتم تدنِّي الهمم ؟!!
هذه هي الأندلس القديمة ...
أما بالنسبة للأندلس الجديدة " لهفي عليها " .. فأقول :
بدأت تسير على نفس الخُطى ..
و تشق نفس الدروب التي جازتها الأندلس القديمة ..
ابتداءً بالسبب المذكور ..
و لكي تتأكد من ذلك أخي القاريء ..
تصفَّح أي مجلة هابطة .. واقرأ زاوية التعارف .. و انظر إلى الهمم واحكم ..
تجد ذلك الرجل .. و قد بلغ العقد الرابع من عمره .. و هوايته ( جمع الطوابع !!!! )
و الآخر وقد بلغ الثلاثين و هوايته ( المراسلة و التعارف !! )
أسألكم بالله .. إن لم يكن هذا دليل على تدنِّي الهمم فما يكون ؟؟؟؟؟
و تستطيع كذلك أخي القاريء أن تجيل بصرك في " بعض " المخلوقات التي تحيط بك ..
و أقول مخلوقات .. لأنني لم أتمكن بعد من التعرف على هوية المقصود ..
أأنثى أم ذكر ؟؟
لكن سأعطيك بعض صفاته
( رقيق الخدين ذو نظرات و سنى كحيل الطرف .. يحيط عنقه بقلادة و لا ننسى الأقراط كذلك .. أما ما يلبسه ؟؟!
فإنه أحقر من أن يُذكر هنا )
ها قد أُعطيتم البداية ..
و لكم أن تتصوروا النهاية .. و تقيسوها بـنهاية ( الفردوس المفقود )
هذه بعض الصور .. و بعض ما جاد به اليراع .. و سمحت لنا العبرات بسكبه .. و بعض شجن .. و قليل من حزن
نسأل الله أن يُحيي الأمة قبل موتها ..
هذا و السلام عليكم و رحمة الله
الشجيّ
[/c]