[align=right]الرسائل ....
تستحوذ الرسائل على فضول الناس لأنها تكشف لهم أسرار الآخرين و دواخل نفوسهم ... فالمعتاد أن يكون الإنسان في رسائله أكثر صدقا و تحررا و ( انكشافا ) . فعندما نُشرت رسائل بعض الأدباء إلى الأديبة اللبنانية مي زيادة اندهش الكثيرون مما كتبه هؤلاء .. فأحدهم و هو ولي الدين يكن كتب لها : ( تحت قدميك ! أقبّل أقدامك بكل إجلال ) !! و أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد كتب لها مرة : ( جاءني كتابك ، فشممته ملياً ، و قرأته هنيئاً مريئا ) .
و عندما نشرت الأديبة السورية غادة السمان رسائل المناضل الفلسطيني غسان كنفاني إليها هاجمها محبوه لأنه ظهر في هذه الرسائل على حقيقته البشرية البسيطة ( هل هذا عيب و عار ؟ ) ظهر محبا لحوحا يتحمل ما يلقاه من ذل في سبيل حبه فانكسرت صورة المناضل في أعينهم .
يبدو لي أن تسلق الجدران و الاطلاع على أحوال الناس نزعة بشرية و هي تكون أكثر ظهورا في المجتمعات المحافظة كمجتمعاتنا العربية التي تحرص على الكتمان و تعتبره فضيلة - حتى غدونا بأكثر من وجه !! - و حتى صار التطفل على أسرار الآخرين من أحب متعنا إلينا .
و لذلك نجد أن نشر الرسائل – و بالذات الغرامية - بضاعة كاسبة ، و كتبها رائجة دائما . فرأينا عشيق الأميرة ديانا ( جيمس هويت ) ينشر رسائلها الغرامية له ( 64 رسالة ) فيصبح نجما يتلقفه الإعلام . و رأينا كتاب غادة السمان السالف الذكر و الذي ضمنت فيه رسائل كنفاني إليها يحقق أعلى معدلات الطبع و التجاذب - العجيب أنها نشرت رسائله إليها و لم تنشر رسائلها هي !! كما أنها تزعم أن لديها رسائل أخرى لرجال آخرين ستواصل نشرها !!! - و رأينا أخت سعاد حسني تفاوض وسائل الإعلام المختلفة على قيمة نشر رسائل متبادلة بين سعاد و عبد الحليم حافظ .
و الحقيقة أن من أكثر الرسائل التي لفتت الانتباه الرسائل المتبادلة بين الفيلسوفين العاشقين سارتر و سيمون دوبوفوار فقد كتب لها حين ضاقت ذرعا بعلاقاته النسائية و خيّـرته بينها و بين فتاة أمريكية تعرف عليها ... كتب لها كلاما لا يصدر إلا عن فيلسوف : ( أنا متمسك بها و لكني معك أنت ) !!!!!
و سيمون هذه لها رسالة سببت إحباطا لرائدات الحركة النسوية في العالم ، فقد عُـرفت سيمون كداعية لتحرير المرأة و لكن قبل سنوات اكـتُـشفت رسالة وجهتها سيمون إلى أمريكي أحبته ضمّـنتها رغبات تتعارض تماما مع أفكارها فقد كانت تتمنى فيها أن تطبخ له و تنظف بيته !!!
لكن ... هل اختلفت الرسائل قديما عنها الآن ؟ أعتقد أن الرسائل قديما كانت أكثر رومانسية و جمالا .. كلنا نذكر أغنية محمد عبده الرائعة من كلمات بدر بن عبد المحسن ( لا تردين الرسايل ) .. لإعجابي الشديد بها كونها تذكرني بطفولتي في حارات جدة القديمة سأورد الكلمات كاملة هنا :
و ليلة .. كانت الفرقة ...
و قالت لي .. فمان ِ الله .. ! ..
و ليلة .. ذكرها يبقى .. على قلبي ، و لا أنســاه .. ! ..
* * *
وجت تاخذ رسايلها ..
و خصلة من جدايلها ..
و تديني جواباتي .. بقايا عمر بسماتي ..
و قالت لي ..
و قالت لي .. فمان ِ الله .. ! ..
* * *
و ليله كـّنها الليلة .. عرفتك بسمتي و فجري ..
و ليلة زي دي الليلة و هبتك بالأمل عمري ..
فـ ليله كـّنها الليلة .. عرفتك بسمتي وفجري ..
فـ ليلة زي دي الليلة و هبتك بالأمل عمري ..
* * *
يا ليت البسمة ما كانت .. و لا الإحساس ..
يا ليت الدنيا خانتني و كلّ الناس ..
ولا خنتي .. هوايـا انتي ..
و لا قلتي .. فمان ِ الله .. ! ..
* * *
لا.. لا.. لا..
لا تردين الرسايل .. وش اسوّي بالورق ..؟
وكلّ ِ معنى للمحبة .. ذاب .. فيها و احترق ... ! ..
لو تركتيــلي في ليلة ..
بسمتك عند الرحيل ..
دمعة العين الكحيلة ... عذرها الواهي دليل ..
* * *
وليلة .. كانت الفرقة ...
وقااااالتـ ـلي ..
فمان ِ الله .. ! ..... )
كان الحبيب حين تصله رسالة حبيبه يكون مدركا أتم الإدراك أن أصابع حبيبه قد ارتجفت فوق حروفها ، و أن يده رفعت مظروفها إلى شفته لتطبع عليه قبلة قبل أن تحمله إلى صندوق البريد ... و ربما كانت الرسالة مضمخَة بعطر الحبيب و ربما تضمنت شيئا من أغراضه .. ( كما قال محمد عبده ) . ولكن الرسائل الآن أصبحت مجرد ضغطة .. ( كليك ) و يتم الإرسال !! مشاعر باردة و أحاسيس ميتة .
و بما أن هذا الموضوع مكتوب في منتدى فيجب أن نتحدث عن الرسائل الخاصة في المنتديات ... و الحقيقة أنها في الوقت الذي تكون فيه نافذة للتواصل بين الأعضاء المتآلفين فكريا ، فإنها إذا ما أسيء استخدامها تودي بكثير من الأعضاء و تتسبب في إيقافهم .
و دمتم بخير .[/align]