الإهداء :
إليها قبل الفراق ....
إليها ... سحر... حيث كنا وكانت ليالينا السعيدة
كانت "...هي "
كانت معه أينما حل أو رحل ... تطيف بخياله ، ويشاهدها في كل شيء ، أمامه في الورد ، في الشجر .. في المطر وفي عناق الغيوم للقمر... في النجوم .. في الليل والنهار ... تبدو أمام ناظريه فيراها وحدها تقف في ميدان المدينة ليختفي كل زحام البشر الذي يغص به المكان .
هي ....
كلمة كتبتها بقلم فسفوري أصفر باهت على ورقة بيضاء ناصعة البياض ليصبح خليطاً من ألوان الحيرة الباهتة ، ووضعها على سطح مكتبه ... وبعد زمن علق هذه الورقة في حائط الغرفة ...
ثم في يوم من الأيام وبعد خلاف حادٍ معها "هي" في كافيتيريا الجامعة ... يدخل غرفته وفجأةً يجد الورقة قد سقطت من الحائط ...
أخذ الورقة وراح يطويها كما يطوى السجاد ثم لفها أكثر باتجاهات عدة وعصرها كما ثوباً مغسولاً...
ثم عاد ليفتح الورقة فوجد معالمها قد تغيرت تماماً ولم تعد صالحة لأن يعلقها في الحائط
أو حتى يضعها على سطح المكتب ....
فقرر أن يحرقها .... ولكنه سيحرق معها أِشياء جميلة كانت هناك .....
ثم قرر أن يرميها في حاوية الأوراق حيث سيعاد تدويرها إلى أوراق تقويم ومن يدري ربما تكون هي ورقة التقويم ذات التاريخ 1/1 أو 10/1 أو حتى 12/10 ولكنه فكر جدلاً بأنها قد تعاد لتصبح أوراق تواليت . وهذا مالايرضيه لأنها كانت تحوي أشياء عزيزة على قلبه ....
ثم فكر في أن يغرقها في المحيط الأطلنطي ليغرق معها كل الذكريات ولتصبح ذرات الحبر التي كُتب بها الأسم هباءاً ذائباً تتنفسه أسماك المحيط وتزفرها فتبعثرها .. كل حرفٍ من حروف أسمها الثلاثة سيرحل إلى أحدى القارات الثلاث ...
ولكنه في النهاية صعد إلى جبل عالٍ جداً حيث لا تتوقف الأمطار هناك ودفن جثمان الورقة .......
دفنها لتنبت يوماً ورداً نرجسياً يعطر الأفاق وتصله رائحته أينما كان .
دفنها .... ودفن معها آماله بالحب ... وليعلم بعدها أن ليست هناك من يفني وقته ليبحث عنها ، فليست هناك امرأة صالحة للحب ، كل شيء تغير ، حتى تفهم الناس للحب تفهمهم للواقع تفهمهم للحياة وحتى فهمهم له هو .
كل مايحمله من مبادئ عظيمة أنتهت وتبخرت بنهاية محاولته للحب ، ليته لم يحمل معه كل هذا الأحترام للحب ... للمرأة ... للعقل .. بل ليته كان كالبقية يعيش يبحث عن مجرد امرأة يسميها زوجة حتى وأن لم تعجبه تلك الزوجة ، فليالينا عامرة بالحسان ... ومن كثرة الباعة رخصت البضاعة .
كل شيء كان لديه بمبدأ .... الحب .. المرأة .. القبلة ... الورد ... الأدب ... الموسيقى ... كل شيء بوزن ومكيال العقل .
القبلة .... كانت القبلة لديه تعني أشياء كثيرة جدا وكبيرة .. .. ، تعني أن يحب ويعشق من يقبله ويفني كل مايملك تضحيةً له. تأتي قبلته من أعماق القلب وليست من مجرد شفتين ، لقبلة لديه (أصلية من بتووع زماااان) لأنها تعني الحب ، والحب لديه شيء عظيم ومعظم لا يعطيه إلا لمن هي أعظم من الحب نفسه .
كانت شروطه جداً قاسية ولذا عاش طويلاً بلا محبوبة . وربما إلى الآن .
والورد ....... لا يمكن أن يقطف الورد إلا لمن قلبها حقلاً من ورود حيث تعيش وردته طويلاً هناك .
لكنه وككل العاقلين يصدم بواقعنا المرير .... فالنساء والرجال أصبحوا يضحكون على بعض . أصبح الحب لعبة يتباهى بالفوز بها الناس ومن يخسر لايهمه الأمر فليحاول مع أخرى ، أصبح مجرد قصص تحكى كبروتوكولات يستفيد منها المستمعون ليطبقونها حرفاً بحرف . حتى بتنا نسمع الكلمة نفسها بين المتحابين - زيفاً - أصبح الحب مجرد عبث بين طرفين أحياناً لايعرفان عن بعضهما إلا الأسماء أو الأصوات أو مجرد الرسائل في عصر التقنية .
أين ماترددونه أيها الشعراء ...
ومصيبته الأخرى أنه يحفظ من الشعر الكثير ... ليصدم بكل قصيدة .. بكل أغنية ...
أما هو فيصعد كل مساء إلى التل العالي الذي يطل على المدينة ويستمع هناك لأغاني الحب الأصيلة ويرقب المدينة وحراكها . ليبكي ....
ليبكي على ماضيه الذي رحل بدوافع أن المستقبل سيشرق ، وعلى حاضره المنكوب فلا هو يستطيع الخلاص من مبادئه العظيمة ولا هو يستمر بها ، حيث لا أحد طبقاً للشروط .
وهناك يعرف أن مبادئه كانت تعني الضيـــــــاع ...
ويبكي عند قبر اسمها حيث كانت آخر الآمال ... وأكثرها أنكشافاً كزيف ... زيف حب ولا شيء غيره .
11 أوكتوبر 2006
نايف .. .. ..