قبل أيام وردتني رسالة عبرجوال الإسلام اليوم جاء فيها : أكثرمايدفعني للبكاءعندما أقابل بعض الذين دخلوا في الإسلام وهم يبكون على آبائهم الذين ماتوا على غيرالإسلام, ويصرخون فينا: أين أنتم يامسلمون ؟ ( د. عبدالرحمن السميط )
تلك الرسالة أعادتني للوراء بضع سنوات حينما فرغت من ملتقى إسلامي أقيم في ديترويت بولاية ميشيغان الأمريكية , ومنه إلى نيويورك في طريق عودتي للوطن الحبيب ..
وصلت نيويورك الساحرة صباحآ, ومن مطارها إلى منطقة بروكلين حيث المركزالإسلامي راغبآ أن أقيم في أكنافه العامرة بالإيمان , وبالوجوه المشرقة من شتى أقطارعالمنا الإسلامي .. وصلت المركز وسلمت على الرفاق , تناولت الغداء مع لفيف من ضيوف المركز , وبعد الغداء تركت أمتعتي في غرفتي وذهبت للسياحة والتجوال في المنطقة المركزية بمنهاتن .. نزلت بجواربرجي مركزالتجارة ثم ارتجلت ساعة وكأنها لحظات ! حيث ظل البصريتقلب في عظيم العمارة , والقلب يتفكرفي عظم الخالق الذي تدل عليه عظمة المخلوق ..
وقبيل العصر رغبت أن أمتع خاطري بمرأى الوجوه النيرة المؤمنة فأسرعت خطاي إلى حيث المركزالإسلامي في منهاتن , وهويبعد مسافة سيرثلث ساعة على الأقدام , وهومساهمة فاعلة من بعض الخيرين على رأسهم الشيخ جابر رحمه الله تعالى .. وبحق يعتبرمنارة شاهقة للإسلام في أشهربقاع العالم وأكثرها إثارة وتشويقآ ..
دخلت المركز ثم تجولت في أنحائه , إلى أن وصلت إلى مكتب مديرالمركز وقد كان يشرف على المسجد من الداخل , سلمت على المديرومن معه , وتناولت الشاي الذي صنعه شاب مغربي وعلى طريقتهم الخاصة ..
وبعد صلاة العصر قدم شاب أمريكي لم يتجاوز السابعة عشرمن عمره وكان يريد أن يعلن إسلامه , عندها أخذ مديرالمركز يحدثني عن حكاية الشاب , وعن تردده المستمرعلى المركز بحثآ عن تفاصيل أدق عن الإسلام ..
والغريب في أمره_ كما يذكرصاحبي_ أنه ماإن يستمع إلى معاني جديدة عن سماحة الإسلام حتى يبدأ برفع جبينه إعجابآ , ومن ثم تأخذه ابتسامة تزيده جمالآ فوق جماله ..!
بعد ذلك حانت ساعة الفصل بين حياة الشقاء , وحياة السعادة .. جلس الشاب البهي بجواري وأمرني صاحبي أن ألقنه الشهادتين .. ويالها من سعادة غمرتني حينما جعل يردد معي : أشهدألاإله إلا الله , وأشهد أن محمدآ رسول الله ..
في تلك اللحظة أخذ وجه الشاب يتهلل , وبدأت الحمرة تغازل عينيه , وذرف بعدها دمعات جعلت أرقبها تتحدرعلى وجنتيه .. عندها لم أتمالك نفسي فشاركته بدمعات الفرح !
بعد ذلك ذهب الفتى للضيافة واغتسل سريعآ ثم عاد إلى (إخوته الجدد) , وأحضرالشباب الشاي الساخن مرة أخرى مع بعض قطع الكيك .. تناولناها مع حديث لمديرالمركز( باللغة الإنجليزية) عن عظيم قدرالإسلام , وسمورسالته , وعن التآخي في ذات الله ..
وبعد أن أنهينا جلستنا قمت مع الأخ الجديد ( عمر) إلى الصف الخلفي من المسجد فاتكأت على جداره , وبدأت ألقنه سورة الفاتحة لأكثرمن ساعة حتى أتم حفظها بحمد الله .. وكم شدني ذلك النهم الذي ظهرعلى أخينا الغالي ( عمر) وهويردد آيات سورة الفاتحة ! , حتى لكأنه من فرط حماسه يوشك أن يرتمي في أحضاني !
وحانت صلاة المغرب فذهبنا سويآ للوضوء , ولماأن أقيمت الصلاة جعل الشاب الأمريكي المسلم ( عمر) ينظرإلي والفرح يغمره لأنها كانت الصلاة الأولى جماعة .. كبرالإمام فجعلت أحاول أن أختلس نظرة إليه وهويكبرلله , رفع يديه إلى السماء , وفي عينيه علامات السعادة لم يعش مثلها طيلة عمره , إنتهت الصلاة فحانت منه ابتسامة جميلة وهويقلب ناظريه على الصفوف الطاهرة المشرقة ..
بعد ذلك أردت الرجوع إلى ( بروكلين) فاستأذنت مديرالمركز شاكرآ له جميل حفاوته , أما الشاب الأمريكي وفي قلبي أمل بأن يعيش الحياة سعيدآ بإيمانه , مشرقآ بضيائه , منسجمآ بيقينه , معتزآ بدينه ..
ودعت الشاب وقلبي يعتصرعلى لحظات صفاء روحي عشتها معه , مؤملآ أن أكون قد ساهمت في وضع أول لبنات البناء لحياته الحقة !
ركبت التاكسي الذي أوصلني إلى بروكلين وفي فؤادي ألف ذكرى وذكرى , وصلت المركزوقد حانت صلاة العشاء ,صليت معهم ثم غادرت إلى مناسبة برفقتهم , حدثتهم فيها عن حكاية الشاب ففرحوا ..أحدهم وعد بمتابعته مع الزملاء في مركز منهاتن .. عدت بعدها إلى الضيافة , إرتميت على فراشي وخيالي يردد الموقف البديع , غلبني النوم ولم أشعرإلا بأحد أعضاء المركزيوقظني للفجر .. وكانت تلك حكايتي مع الأخ الشاب الأمريكي .