[poem=font="Simplified Arabic,4,red,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/18.gif" border="solid,4,skyblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
رسالة.. إلى صلاح الدين
شعر: عبد الرحمن صالح العشماوي
أسرج الصبر على الباغي خيولا =تطرب الميدان ركضاً وصهيلا
واقتحم أسوار خوفٍ شيَّدتها = يد أعدائك كي تبقى ذليلا
سُلَّ من فجرك سيفاً عربياً =واتخذ في جبل الصمت سبيلا
وإذا ما سارت الأحداث شبراً = فاجعل السير إلى الأحداث ميلا
وإذا واجهتَ في الدَّرْبِ جبالاً =شامخاتٍ فتخيَّلها سهولا
أيها الشاتمُ وجهَ الليل =أوقد شمعةً في الدرب واستصحبْ دليلا
خذ بيدي وارحل إلى الماضي فإني =لم أزل أتعب أيامي رحيلا
وإذا ما جئت حطّين فدعني =أسرج الشوق إلى الماضي خيولا
وانتظرني ريثما أقضي حقوقاً =لفؤادٍ يحملُ الهمَّ الثقيلا
وأنادي فارساً مازال يحمي= حوزة الدين، ويأبى أنْ يميلا
جعل السنة للناس طريقا =ومحا البدعة منها والحلولا
ضرب البحر بسوطٍ من إباء =فغدا البحر له رهواً ذلولا
يا صلاح الدين ما جئت إلينا= خامل الذكر ولا جئت ضئيلا
جئت والرمضاء تشوي كل وجهِ =وأرى وجهك وضَّاء جميلا
بين قلبينا جسور من إخاءِ = مدها الإسلام فرعا وأصولا
لم أزل أبصر في كفك سيفاً =صارماً مازال للكفر مزيلا
لست بالظالم في القتل ولكنْ =لم تشأ أنْ يمكث الباغي نزيلا
ما قتلت السهروردي، ولكنْ =عَبَثُ الأفكار أرداه قتيلا
رُبَّ كفرٍ جاءَنا مِن فيلسوفٍ =يطلق الدعوى ولا يُعطي دليلا
يُفسد الأذهان يُلقي في مداها= حجر الشك فتزداد ذهولا
يا صلاح الدين ما جانبت حقاً =حين طهَّرت قلوباً وعقولا
لم تدع للمذهبيات مجالا = كَمْ أذاقتنا مِن الذل شكولا
يا صلاح الدين ما جئتك إلا =وأنا أكره أن أنوي القفولا
كيف أبقى في كيان عربي =لم يزل يقرع للذُّلِّ الطبولا
لم يزل يمنح للغرب ولاء = ويرى للذُّلِّ في النفس قبولا
في رُبانا ألفَ بستانٍ نراها =ونرى مِن حولها ظلاً ظليلا
غير أنَّا ما رأينا في رباها = بلبلاً يشدو ولم نسمع هديلا
وقف المركب والرُبَّان أمسى =يُتْبِعُ الأمواجَ خوفاً وذهولا
واشتكى الشاطئ من جزرٍ ومدِ =أتعب الرمل صعوداً ونزولا
بلغ الأعداء منا ما أرادوا =ومشوا في أرضنا عرضاً وطولا
سمموا الأفكار حتى صار فينا = مبدعاً مَنْ ينشر الفكر الدخيلا
جعلوا للفن ميزاناً وقالوا =لا نرى للدين في الفن سبيلا
عزفوا عن شعر حسان وكعبِ =ورأوا (إليوتَ) رمزاً و(أخِيلا)
أشعلوا ألفَ فتيلٍ للمآسي =ليت قومي أطفأوا منها فتيلا
لا تسلني عن بني قومي ففيهم =يشرب (الجدُ بن قيس) سلسبيلا
ويرى فيهم بلالٌ ألفَ عين =ترسل النظرة للكبر دليلا
لا تسلني.. يا صلاح الدين، قومي =حبسوا النهر فلم يَسقِ الحقولا
كان في أيديهم السيفُ صقيلا =فغدا ملمسُ أيديهم صقيلا
يحلم التاريخ أن يأتي إليهم =ثم يأبى حين يأتي أن يُطيلا
أنفسٌ عشَّشت الأحقاد فيها =وعيون لا ترى إلا الحجولا
دولٌ شتى وأذهانٌ حيارى= وقبيلٌ يُتْبِعُ اللوم قبيلا
في حماها أصبح الشهم ذليلا =وغدت في ظلها النملة فيلا
لا تسلني يا صلاح الدين، لكنْ =سائل الحسرة والقلب العليلا
سائل الحيرة في نظرة طفلٍ =واسأل الحسرة والطرف الكليلا
سائل الأحزان في وجدان سلمى =وسل الدمع الذي يجري سيولا
سائل الأحجار في حيفا ويافا =وسل القدس المعنَّى والخليلا
لا تسلني، فإنْ أصرفُ وجهي =خجلاً منك، ومازلتُ خجُولا
يا صلاح الدين ما هوَّلتُ أمراً =في الذي قلت ولا زوَّرْتُ قيلا
أنا مَنْ أحملُ في قلبي وفاءً =لبلادي أنا مَنْ أهوى الأصولا
لا تسل عني فصحراء جراحي =لم أجد فيها مبيتاً أو مقيلا
سرتُ فيها وأنا أسأل نفسي =كيف ألقى شربة تشفي الغليلا
أو ما تعلم أنَّ الليل أمسى =في عيون القوم فجراً وحقولا؟
أو ما تقرأ في دفتر حزني =قصة المجد الذي أضحى طلولا؟
أيها القادم والليل لباسٌ =وضياء البدر يزداد شمولا
جرِّد السيف وقدِّمه إلينا =قد نسينا لمعاناً وصليلا
وتعلمنا من القول صنوفاً =وتحدثنا عن المجد طويلا
ورفعنا وخفضنا وجمعنا =وطرحنا ورسمنا المستطيلا
وبنينا ألف قصر من فراغ =وبلغنا بالأماني المستحيلا
كم سمعنا صرخة من ثغر طفلٍ = حقها أن توقظ الحُرَّ النبيلا
فمنحناها وجوماً ووقفنا =نُتْبِعُ الأحداثَ إحساساً قتيلا
يا صلاح الدين أعطيتُك سمعاً =يتمنى منذ دهر أن تقولا
قلْ فإنَّ القلب أضحى باشتياقي =روضةً ترجو مِن الغيث الهُطولا
وهنا جاء إليَّ الصوتُ فخماً =عربيَّ اللفظ موزوناً جميلا
أيها الشاعر كم يُثلج صدري =أن أرى مثلك لا يرضا نكولا
إنما يمنحك المجدُ مكانا =في الذُّرى منه إذا عِشْتَ مَثِيْلا
لي سؤالٌ واحدٌ أُلقيهِ فيكم =وجوابي أَنْ أرى فعلاً جليلا
كيف ترجو أمةٌ عزاً ونصراً =حين تَنْسَى الله أو تَعصي الرسولا؟!
[/poem]