[blink]من بات بعدك في ملك يسر بـه فإنمـا بـات بالأحـلام مـغـرورا[/blink]
المعتمد بن عباد
هو محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي . أبو القاسم ، الظافر المؤيد بالله المعتمد على الله . أمير إشبيلية وقرطبة وما حولهما . عربي من أسرة عربية عريقة ، نزحت من العريش إلى الأندلس واستوطنت في إشبيلية . ولد سنة 432 هـ وخلف أباه في الإمارة سنة 461 هـ وكان فتى في الثلاثين من عمره وقد امتاز كأبيه بالبأس والشجاعة ، واتصف كلاهما بالجود والسخاء ، واشتهرا بالقريض وحسن النظم والحدب على أهل الأدب . أقام مع أبيه دولة غدت أقوى دولة بالأندلس في عهد الطوائف ، وقد اتسعت في عهده فامتلك قرطبة وكثيرا من المملكة الأندلسية واتسع سلطانه إلى أن بلغ بلنسية و (مرسية) وكانت تعرف باسم (تدمير) . أصبح المعتمد محط الرحال ، يقصده العلماء والشعراء والأدباء ونالوا منه الجزيل من العطاء ، ولم يجتمع بباب أحد من ملوك عصره ما كان يجتمع ببابه من أعيان الأدب ، ومنهم اختار أصحابه وقضى معهم فترة شبابه في شيء من المجون ، كأبي بكر بن عمار وابن زيدون وابن حمديس . وظل أيامه في صفاء حتى ثارت العداوة بينه وبين بني ذي النون أمراء طليطلة فقد كان كل منهم يطمع بالاستيلاء على مملكة الآخر ، وكان ألفونسو السادس ، ملك قشتالة يطمع في الاستيلاء على ملك الفريقين ويتربص بهما الشر . وقد وقف ألفونسو إلى جانب بني ذي النون ، وكانوا أعانوه في حرب جرت بينه وبين أخيه سانشو . وفي عام 467 هـ انقض بنو ذي النون على قرطبة فاستولوا عليها وقتلوا سراج الدولة أبو عمر عباد ابن المعتمد وكان نائبا لأبيه عليها . وقد أشار الوزير ابن عمار على المعتمد أن يشد عضده بألفونسو ، ملك قشتالة ويستميله إليه ليتمكن من قهر أعدائه بني ذي النون ، فعقد معه معاهدة سرية ، تمت بمساعي وزيره ابن عمار تعهد المعتمد بموجبها أن يطلق يد ألفونسو في محاربة بني ذي النون وأن يدفع إليه ضريبة سنوية ، فأخذ ألفونسو يغير على أطراف طليطلة وبذلك تمكن المعتمد من استرداد قرطبة منهم كما تمكن من الاستلاء على (مرسية) و (بلنسية) وكانت في حوزة بني ذي النون فاتسعت بذلك مملكته . وهكذا ضحى المعتمد بالمعقل الأكبر لأسبانيا الإسلامية ، وهي طليطلة فما مضى غير قليل من الوقت حتى استولى ألفونسو على طليطلة سنة 478 هـ وقضى على دولة بني ذي النون ، وكان سقوطها بيد الأسبان أمرا جللا ، فبكاها الشعراء ونعوها ، ومنهم الشاعر اليحصبي ، فقد نعاها بأبيات هي نفثة مصدور . فقال
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/17.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
حــثوا رحــالكم يــا آل أندلس = فمــا المقــام بهـا إلا مـن الغلـط
الثـوب ينسـل مـن أطرافـه , وأرى = ثـوب الجزيرة منسـولا مـن الوسط[/poem]
وكان سقوط طليطلة ضربة قاضية على التفاهم بين ألفونسو ، ملك قشتالة وبين المعتمد ، أمير إشبيلية ، ذلك أن ملك فشتالة لم يقنع بالاستيلاء على طليطلة تلك القاعدة الهامة ، بل استولى على جميع الأراضي الواقعة على نهر التاجة وعلى قلاع مدريد (مجريط) وعلى وادي الحجارة وقلعة رباح ،وغدا يهدد قرطبة وماردة وبطليوس ، مما أفزع ملوكها وملوك الطوائف الأخرى ، وأحسوا بأن هذا العدو سوف يجتاح ممالكهم واحدة بعد أخرى ، فأجمعوا أمرهم أن يكونوا صفا واحدا ضد عدوهم وأن يستصرخوا أخوانهم المسلمين بالمغرب ، فاستغاثوا بيوسف بن تاشفين ، أمير المرابطين ، فاستجاب لندائهم ، وعبر البحر إلى الأندلس في جيش لجب وفي يوم الجمعة الواقع في 12 رجب سنة 479 هـ التقى جيش المرابطين بقيادة ابن تاشفين ومعه جيش ابن عباد بجيش الإسبان يقوده أفونسو ، وانتهت المعركة بهزيمة الإسبان هزيمة منكرة ، وقد جدرت الوقعة في موضع يعرف بالزلاقة قرب مدينة (بطليوس) ، وقد عرف يوم تلك الواقعة بيوم عروبة . عاد ابن تاشفين بعد ذلك اليوم المشهود إلى المغرب ، وقد رأى عن كثب ما آل إليه حال الأندلس من انقسام ممالكها بين أمراء مغتصبين انحلت بينهم روابط الاتحاد وسادت بينهم عواطف الأثرة والحسد ، وأخذ بعضهم يقاتل بعضا ويستعينون في اقتتالهم بملوك الأسباب وأمرائهم ، لقاء تنازلات وامتيازات يمنحونهم إياها . وفي عام 481 هـ حدثت فتن في الأندلس فعاد ابن عباد إلى الاستنجاد بابن تاشفين فأنجده ، ثم عاد إلى المغرب بعد أن ترك جيشا من المرابطين عدته أربعة آلاف فارس تحت إمرة قائده داود بن عائشة . وفي سنة 482 هـ جمع ابن تاشفين جيشا عبر به البحر إلى الأندلس دون دعوة أحد يريد الاستيلاء عليها ، فاستولى على غرناطة وأسر أميرها عبد الله بن بلكين بن باديس وارسله مع أهله سجينا إلى أغمات بالقرب من مراكش كما قبض على تميم بن بلكين وإلى مالقة وبعث به سجينا إلى أفريقية ليشاطر أخاه عبد الله مصيره ، واستولى المرابطون على مدينته . ثم عاد ابن تاشفين إلى إفريقية ونزل في غرناطة على رأس الجيش المرابطي . ولما اكتملت عدة الجيش سار قائده به إلى إشبيلية ، فوجد المعتمد متأهبا لقتاله ، وانتهت المعركة باستسلام المعتمد وتسليمه المدينة وكان سقوطها في رجب سنة 484 هـ . وقد قبض قائد جيش المرابطين على المعتمد وعلى نسائه وأبنائه وبناته وأرسلوا إلى إفريقية .
وفي أغمات بزغ فجر شعره ، وأشرقت شمس إبداعه ، فبعد أن كان شـاعرا مترفـا ، إذا هـو يكتوي بصهد المعاناة ، وينصهر في بوتقة التجربة المريـرة القاسية، فها هو يبكي ماضيه ، وقد أصبح غريبا بأرض المغرب وقد تكالبت عليه من الهمـوم ما لا تستطيع الجبال الرواسي احتماله فيقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/17.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
غريـب بأرض المغربـين أسـير=سيبكـى عليـه منـبر وسـرير
إذا زال لم يسـمع بطيّب ذكـره=ولم يـر ذاك اللهـو منـه منـير[/poem]
وقد كـانت نهاية بني عباد في اشبيلية .. وخروج المعتمد منها أسيرا إلى المغرب موضوعا تناوله كثير من الشعراء الذين احتفى بهم المعتمد بن عباد أيام عزه وسلطانه ، وأجزل لهم العطاء فأكثروا من مدحه في حياته ، ورثائه بعد وفـاته ، ومنهم ابن اللبانة الذي رثى الدولة المنهارة وأتى على ذكر خروج المعتمد من اشبيلية ، ووصـفه وصفا رائعا ، وقد تجمـع الناس على ضـفتي النهـر، يبكـون المـلك المنكـوب ، وتبكـى معهـم السماء بمزن رائح غاد .. حزنا على سادات بني عباد :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/17.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تبكي السمـاء بمـزن رائـح غـاد=على البهاليـل مـن أبنـاء عبـاد
وكانـت الأرض منهـم ذات أوتاد=على الجبـال التي هـدت قواعدها[/poem]
وله هذه القصيدة وهو في سجنه بأغمات
[poem=font="Andalus,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/18.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا = فـساءك الـعيد أغمأت مأسورا
تـرى بـناتك في الأطمار جائعةً = يـغزلن لـلناس مايملكن قمطيرا
بـرزن نـحوك للتسلسم خاشعةً = أبـصارهن حـسيرات مكاسيرا
يـطأن في الطين والأقدام حافبة= كـأنها لـم تـطأ مسكاً وكافورا
لاخـدّ إلا تـشكى الجدب ظاهره = ولـيس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت مساءته = فـكان فـطرك لـلأكباد تفطيرا
قـد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً =فـردك الـدهر مـنهيّاً ومأمورا
مـن بات بعدك في ملك يسر به = فـإنما بـات بـالأحلام مغرورا[/poem]