أحلام مستغانمي كتبت في إحدى رواياتها :
(إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير ,,, وننتهي من الأشخاص الذين اصبح وجودهم عبئا على حياتنا ..فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم وامتلأنا بهواء نظيف
في الحقيقة كل رواية ناجحة .. هي جريمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما...وربما تجاه شخص ما ... نقتله على مرأى من الجميع بكاتم الصوت .. ووحده يدري أن تلك الكلمة الرصاصة كانت موجهه إليه )
اهدي إليك قصتي الرصاصة... لأمحوك من ذاكرتي ...!
فُتحت ستائر غرفة نومنا بكل وحشية ,,, اجتاحت شمس الصباح أرجاء الغرفة ,,, فتحت عيني بتثاقل..
نظرت إلى زوجي بحسرة طالبةً منه إغلاق الستائر,, تقدم إلي بوجهٍ باسم وهمس في أذني
_ صباح الخير يا حلوة ,,و يلا قومي وبسك نوم,, بنموت جوع !
أحكمت غطاء السرير فوق رأسي مطالبةً بالعودة إلى النوم.. ولكن ابتدأ هو بشن حملات الإزعاج ... ابتدأ بالغناء .. ثم بالصراخ ... ثم احضر ابني ذو الثلاث سنوات وابتدأ بالقفز فوق السرير ... حتى استسلمت واستيقظت !
كل هذا الإزعاج كي اعد لهم طعام الفطور !,,, أي الرجالُ هو زوجي الذي لا يستطيع أن يعد لنفسه طعام الإفطار !
جلسنا جميعا على طاولة الطعام ,, لا ينتابني الشعور بأننا عائله إلا إذا جلسنا جميعا على الطاولة أنا وزوجي وقرة عيني ابني الصغير بيننا
_ اليوم عندك شيء الصبح ؟
_ لا... يمكن بس أروح امشي خلودي بالعربة ... مسكين من زمان ما طلعته
_ اها ... طيب يا أم خالد أنا أستأذن الحين بروح الدوام
_ احلااااا يا أم خالد !.... وش ذا الرزه !
_ من اليوم ورايح شغلنا راح يمشي رسمي !.. انتي أم خالد وأنا أبو خالد ... بعد جايبين ولد ليه !
ودعت زوجي عند باب المنزل ,, لكم اشتاق إليه .. ليته يبقى حبيس المنزل معي !... فأنا ربة منزل .. لم اكمل دراستي الجامعية ..وتفرغت لتربية ابني
بدأت بالعمل .. نظفتُ ومسحتُ ورتبت وغسلت ... لطالما أصر علي زوجي بأن نحضر خادمه إلى المنزل ولكني كنت ارفض .. فتنظيف المنزل يشغل وقت فراغي في ساعات النهار التي يغيب فيها هو عن المنزل
بدا ذاك اليوم نهاراً طبيعياُ كأي يومٍ آخر ...لم اعلم ما أخفته لي مشيئة الله في هذا اليوم !
بكل عفوية أخذت خالد إلى المجمع التجاري كي يتنزه بعربته !
لكم يحب الدوران في المجمعات التجارية !
طفلي محط أنظار الجميع ! ..حُمرة خداي ...دوران وجه والده .. بياض عماته... اسوداد عيني خالته.... يصلح في دعايات الأطفال بابتسامته الساحرة
كل من يعمل في ذاك المجمع يعرفون طفلي... فيحملونه تارة ويحضرون له الحلوى تارةً أخرى
وبينما أنا أسير في ذاك المجمع وقعت عيني على تلك الاعين الشاخصةُ في !
اعرف هذه العينان جيداً واعرف صاحبهما!.. ولكن ذاكرتي خانتني .. نظارته لي كانت بلا أي معنى .. يسرح في بلا مبالاة .. وكأنه ينظر إلى شبحٍ ما
ما الذي اتا بك إلى هنا ؟ ... أهذا أنت ؟ .. اصحيحٌ ما أرى ؟ ... اتسعت عيني لدى استيعابي من هو ذاك الشخص ! كان يقف بعيداً متأملا في بكل حسرة .. ابتدأت باستيعاب نظراته بعد أن ميزتُ ملامح وجهه !
لكم غيرته السنين!!
يقف أمامي بكل انكسار .. بكل الألم ..بكل العذاب والحسرة !... يقف أمامي رجلاً جردته الغربة من معالم الفرح .. نسيت شفاه الابتسامة ... يقف أمامي رجلاً تجرع كيسان المرارة كأساً تلو الآخر
ابتدأ بالمسير إلى بخطىً واثقة وفي كل خطوة يخطوها تتخبط الذكريات في رأسي ... أول لقاء .. صندوق الجرائد .. الرسائل .. الأشعار ...هاتف المنزل ...حادث السيارة... شريط التسجيل ... ويوم زفافي!
ما هذا يكاد رأسي ينفجر من هول ما أرى أمامي من ذكريات
نظرات عيناه كانت تحمل ألف معنىً ومعنى ,,,شحوب وجهه عبر عن الكثير .. الابتسامة الصفراء طعنت في صدري ألف خنجر
وفي آخر خطوة من خطواته ..... تذكرت كل شيء !
واجتاحتني عاصفة الذكريات !
…………………………
قبل ست سنوات !....أول لقاءٍ لنا !
...كان في هذا المجمع ! ... يال سخرية القدر !.. كنت في تلك الأيام لم أتعدى أل 19عاماً ! ذهبت وأختي للتسوق .. كان يوما عادياً .. كأي يومٍ آخر .. في تلك الأيام كنت كثيرا ما أتردد على المجمعات التجارية .. فكانت أختي لمي تستعد لزفافها
كان هو ومجموعة من شباب بلادي الفاسد
ابتدأو بمضايقتنا .. وملاحقتنا من محلٍ الى آخر .. حتى طفح الكيل والتفت أختي بغضب وابتدأت بالصراخ عليهم .. تذكرهم بأن لهم أخوات .. وانه من غير اللائق فعل شيء كهذا في مكان عام .. وان ما يحدث لنا الآن من الممكن أن يحدث لمحارمهم ... بعد أن أتمت أختي محاضرتها الطويلة .. ابتدأو بالضحك .. وبالسخرية من طريقة حديثها
التفت أنا حينها بكل غرور وعزة ونظرت إلى عينة مباشرة
_ حبيبتي لا تتعبين نفسك مع ناس زي كذا ...وتقعدين تحاولين تطلعين خصل الشهامة فيهم وتذكرينهم بأخواتهم ... هذا إذا كانو رجال ويخافون على أعراضهم من الأساس !
كلماتي استفزتهم اشد الاستفزاز وابتدأو بالصراخ والشتيمة ... فأشار لهم بان يصمتوا وذهبوا بعيدا بعد إشارته !... كان من الواضح انه زعيم تلك المجموعة فمن إشارته تلك صمتوا وذهبوا !
في طريق عودتنا إلى المنزل .. لاحظت وجود سيارةٍ تتبعنا .. تجاهلت وجودها .. وهمست في داخلي ( شباب تافه !)
وانتهى ذاك اليوم ! .. اليوم الذي ابتدأت فيه قصتي معه!
صباح اليوم التالي استيقظت مبكرة على غير عادتي ! ...بعد سنوات علمت لماذا كانت المشيئة أن استيقظ مبكراً في ذاك اليوم !
جلست أشاهد التلفاز بكل برود ! .. لم يستيقظ في ذلك الوقت إلا أمي .. والخادمة !
بعد ساعة ... رن هاتف المنزل ... تركته يرن منتظرةً أن تجيب أمي! ... فأنا اقل سكان هذا البيت استقبالاً للمكالمات
لم ادري ما الذي جعلني أجيب على الهاتف !
_ الو
_ صباح الخير
_صباح النور مين ؟
_ صوتك مميز .. وينعرف بسهولة .. الحمد الله توقعت إني ما بعرفه !
_ نعم ... مين ؟
_ أنا ...أنا اللي تهزأ أمس على ايدينك ...أتمنى انك تكونين قد حركتك اللي سويتيها أو انك تكونين .. الشخصيه اللي ودي ألقاها فيك
_ انت ما تستحي على وجهك تدق على البيت ؟ ... تبي ابلغ عليك الأمارة واقول انك تزعجنا .. ترا عندنا كاشف ... والله لا اشتكي عليك واخليهم يقطونك بالسجن لين تعفن !
_ قبل لا تهاوشين وتسكرين بوجهي ... أبى أذكرك اني اعرف وين بيتكم ورقمكم....... وصندوق الجرايد حقكم كان مفتوح ولسا محد اخذ الجرايد .. فالحقي عمرك !
واقفل خط الهاتف !
لم افهم جملته الأخيرة ... كنت اشتعل غضباً ... أي وقاحة تدفعه إلى معرفة رقم هاتف منزلنا !
بالتأكيد هو الذي تبعنا بالأمس !
جلست متوترة الأعصاب بعد مكالمته ... أفكر في جملته الأخيرة ... ما دخل صندوق الجرائد ؟
جلست برهة ..... ثم قفزت من مكاني متجهة إلى باب المنزل ... فتحت صندوق الجرائد ... أخذت ما يحتويه وعدت إلى المنزل
كان من بين الجرائد ظرفٌ صغير ... ظرف!!!