هاهو صباح مؤلم .. أشرقت شمسة عليّ بنبأ رحيل والــدي .. فهل كان لزاما علي أن أستقبل الصباح كي أجنب نفسي هذا الحزن الذي لا طاقة لي على استيعابه !
أعلم أن بكاء صباحي لن يلامس مسامعك ..وان نحيب حروفي لن تصلك .. وأن صوت بكائي لن يوقظك ..
إذن ! ماذا اكتب لك ومازال في بريدي رسالة أخيرة منك .. يرعبني الاقتراب منها .. فأنا أعلم أنها معطرة بالوداع ومفخخة بالحزن ولا طاقة لقلبي على قراءتها.. فأقف أمامها حائرة .. مترددة ..
فـ يهزني رحيل بهذا العمق .. بهذة القسوة .. ويجعلني أبث إحساساً في رثائك !
.. في أحضان الدنيا نتبعثر !
تقلبنا بين كفيها كما تريد ..
ترمي بنا أرضاً ..
وتارة تذيقنا من كأسها العلقم
دنيا .. كتب علينا أن نعيشها كما هي
تقذف بأفئدتنا كما تشاء
هذه الدنيا جعلتني لا أبصر في يومي إلا الغروب !
ولا أرى في تقاسيم وجهي إلا الشحوب ..
أثقلت كاهلي .. وعصفت بفؤادي
هو المرض ! الذي جعلني أجيد قراءة الملامح .. وامقت الترقب ..واختنق من أروقة المستشفيات
هو المرض .. الذي تمنيت أن اجتثه من أجساد المرضى
وهو المرض .. الذي تمنيت أن أواجهة وآخذ بثأري منه !
وهو المرض .. الذي بعثرنا ومزقنا على صفحة الأيام
وهو الغروب المميت الذي سلب مني أغلى ما لدي
وهو الغروب الذي جعل والدي أسيرا للمرض
فأيهما أشتكي .. وأيهما أمقت !
عند ذاك الغروب حملوه ..
وعلى ذاك السرير وضعوه ..
وبالأجهزة قيدوه ..
ومافي أيدينا حينها إلا الدعاء والصبر
ثم الصبــــــــر ..
ولكن أعماقنا زلزلت .. أحداقنا تقرحت !
وعبراتنا تحشرجت ..
ومازلنا نتداوى الصبر !!
والدي الغالي ..
قد ملّ صبرنا ومللنا الأمل ..
ومللنا منزلنا حينما فقد نوره
ومللنا مجلسنا حينما فقد صوتك .. كلامك .. ضحكاتك .. همساتك ..
حتى نحن ! تمللت أجسادنا منا ..
تمللت أرواحنا منا ..
أسألك بالله .. متــــى تعود ؟؟
متى تضئ بيتنا .. متى تقبل علينا !
فنحن ننتظرك مع طلعة كل فجر .. فجر جديد
مع كل شروق ننتظــــرك ..
حتى وإن كبلوا جسدك الطاهر في غياهب المستشفيات ..
حتى وإن حبسوا أنفاسك خلف الزجاج ..
حتى وإن دفنوا ملامحك تحت الغطاء ..
مازلنا ننتظر .. ومازال للأمـل بقيه !
رجوتهم أن أحادثك ..
أن ألمس يدك .. أقبل جبينك ..
رجوتهم أن انتزع شبابي وأتقلد شبيبتك ..
رجوتهم أن يلبسوني مرضك ..
رجوتهم أن أمنحك حياتي ..
ولكن !! لا حياة لمن تنادي !!
رجوت الرب يشفيك ..
رجوته أن يبقيك ..
أن تقف أمامي ..
رجوته .. أن تعــــــود !
أعدك ! بأن لا أخالف لك أمرا
.. أن لا أتأخر عن الصلاة يوماً
.. أن أرفع شعري وأترك النقاب
.. أن أتفوق في دراستي كما اعتدت
.. أن أختار من الشعر أجودة .. وأترك الفاجر
.. أن أساعد أمي
.. أن أغدو ربة بيت ناجحة
.. أن أترك الغيبة والنميمة
.. أن أحافظ على صحتي
.. أن أنام مبكرا وأترك السهر
.. أن اترك الغناء واللهو
أعدك .. واعدك .. واعدك بكل ما تريد
فقط .. أرجــــــــوك عد إلينا !
فجريدتك الملقاة في تلك الزاوية تنتظر أن تقرأها
وأولادك ينتظرون أن تنقل إليهم أخبارها
ونظارتك على تلك المنضدة .. تنتظر أن تتزين بها عيناك
ودهن العود أمام تلك المرآة ينتظر أن يستشف منك رائحته
وثوبك في تلك الخزانة غدا أسودا كئيبا .. ينتظر بياضا من جسدك
وسجادتك المطوية في ذاك الركن .. تنتظر ركوعك وسجودك كلما راق لها ترتيلك
وأبناؤك .. لم يبق منهم سوى عيون مترقبة تبحث عنك ..
يسمعون صوتك في آذانهم ..
يرون ملامحك في وجوههم ..
ويستشعرون روحك في قلوبهم ..
يرونك على وريقات الشجر ..
وهمس الندى .. وقت السحر
.. وقت السحر
.. وعند السحر
انتهى الانتظار وبقي الصبر المر
وتأجج الدعاء
عند السحر .. صعدت روحك إلى بارئها
استرجع الرب أمانته
عند السحر تخطفنا الموت جميعا
ذبلت زهورنا ..
رحلت ملامحنا ..
تبعثرت أجسادنا ..
واحترقت مدامعنا ..
وثقلت قلوبنا ..
رحل الوالد عند السحر وبقي الصبر حينما تذكرنا أنه انتقل إلى من هو ارحم منا
ولو كانت الدنيا خيرا لما توفي إمام الأمة محمد صلى الله علية وسلم
رحمك الله وحرم جسدك على النار وأسكنك فسيح الجنات في فردوسة الأعلى بإذنه جل وعلا !
لم يكن الموضوع كتابة لي لكن ربما تعرض للسرقه من قبلي ( من احدى قريباتي
) ( ولن أذكر صلة القرابه )
وطرأ عليه بعض التغيير
لكن بالفعل عايشت أحداث ماكتبت عنه ! وكنت جزءً من الحدث ..
للجميع تحياتي الخـــــالصه
نور