
هناك في الزاوية البعيدة جلس منكمشاً على نفسه،
متكئاً على ركبتيه الضعيفتين ،
يرمي برأسه المتعب عليهما يرتجف من البرد
برد في فصل الصيف هو برد الوحدة ..
الذي لا يفارقه ويجمد فرائصه
عبدالله رجل في السبعين من عمره التجاعيد تكسو وجهه الطيب
وقلم السنين خط على صفحة ملامحة التعب والإجهاد
ويديه تكسوهما ملامح الشيخوخة
خائف هناك يجلس مم هو خائف ..
يلتف كالأطفال الصغار هل يبحث عن دمية .. لا .. لا ..
هو دمية ألقى بها الزمن هنا ..
هنا في الظلام خلف الأبواب المغلقة .. آه يازمن وآه ياقدر
ماهذا المكان الموحش المظلم كأن لا حياة به ؟؟
لماذا انا هنا ؟؟ صرخة في حنجرته المسكينة
قبضها الجحود واقصاها ..
كتمها في النفس فظلت عالقة لا سبيل لخروجها
وآآآآآآآآه وإن أطلقها من يسمع صرخته من .. من ؟؟؟؟
أسند راسه المثقل بالهموم على الجدار
لامس برد الجدار خده الضعيف ابتعد ثم عاد
اعتاد البرد ولا مسند له سوى هذا الجدار
هو من الجدار وإليه كلما أحس بحاجة لمن يستند
إليه لجأ للجدار هو صديقه الحميم نوعاً ما
من ثباته يستمد قوته ويستمد بعض الدفء
بعض الحميمية التي افتقدها منذ زمن طويل
وهنا دار بينه وبين نفسه حوار
(( آآآآآآآآه ياولدي وينك ؟؟ إن شاء الله بس تكون بخير
تولهت عليك يابويه وينك
من حطيتني هنيه ما رديت تنشد عني !!
أنا بخير ياولدي بس ناقصتني شوفتك خبرني عنك
عن حرمتك وعيالك كبروا وانا ما شفتهم
تذكر كنت احلم أشوفك متزوج
كنت من وإنته صغير أحلم بشوفة عيالك
ألاعبهم مثل ما كنت ألاعبك
تتذكر يابويه تتذكر كيف فرحت يوم انولدت
تتذكر كيف حملتك بين ايديه وحمدت ربي ..
الحمد لله يارب ياني ولد ياني سند أحمدك يارب
تتذكر كيف كنت أتعب وأشقى علشان اوفر لك كل شئ ..
أتعب صح بس يوم أرد وأشوفك
أنسى تعب الدنيا كلها بإبتسامة منك
تتذكر فرحتي باول كلمة (( باباه )) سمعتها منك
والله حسيت الكون كله بين إيديه ..
تتذكر يابويه يوم تمرض وتمسي دمعتي تحرقني خوف عليك
تتذكر أول يوم وديتك المدرسة كنت فرحان
وأنا أقول للجيران ولدي سار المدرسة تتذكر يابويه
يوم كنت تنجح وكنت تتريا الهدية
وانا كنت الفقير أجمع طول الشهر علشان الهدية تتذكر
كيف مرت السنين وكيف نجحت في الثانوية
يومها قلت بس يابويه ما بكمل انا أبغي أشتغل
إنت ما تقدر على المصاريف يومها كأنك تذبحني
قلت لا كمّل ياولدي اقطع من لحمي
ولا تهدم مستقبلك وكملت دراستك ونجحت وتفوقت واشتغلت
آآآآآآآآآآه لو تعرف كم فرحت وأنا أشوفك
راجع من شغلك .. وينك ياولدي وينك ..
تذكر رحنا وخطبنا لك وزوجتك دموعي
ما اكثرها ليلة عرسك وانا اقول هذا ولدي هذا سندي
وفي الليل كل ليل أحلم بعيالك وينك عني وينك ))
عبدالله داهمه هذا التفكير حتى أحس برأسه يدخل في الجدار
وعيناه تمتلئان بالدموع
أيقظة من كل هذا تلك اليد على كتفه ..
يد الممرضة الاسيوية تعطيه الدواء
تساقطت دمعة عبدالله على جدار دار المسنين
دمعة من نار على الجدار تحرق أبناءه يوم لافرار
بقلم / ح ــلم
[align=left]* الصورة تعبيرية فقط مع حفظ حقوقها لملتقطها ..[/align]