عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-09, 05:00 pm   رقم المشاركة : 19
أبونصوري
عضو مميز
 
الصورة الرمزية أبونصوري





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : أبونصوري غير متواجد حالياً

الحمد لله الواحد المعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. وبعد فإني لما فرغت من تأليف كتابي المسمى بالمخلاة، الذي حوى من كل شيء أحسنه وأحلاه، وهو كتاب كتب في عنفوان الشباب، قد لفقته ونسقته وأنفقت فيه ما رزقته، وضمنته ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين: من جواهر التفسير وزواهر التأويل، وعيون الأخبار ومحاسن الآثار، وبدائع حكم يستضاء بنورها، وجوامع كلم يهتدي ببدورها، ونفحات قدسية تعطر مشام الأرواح وواردات أنسية تحيي رميم الأشباح، وأبيات رائقة تشرب في الكؤوس لسلاستها، وحكايات شايقة تمزج بالنفوس لنفساتها، ونفايس عرايس تشاكل الدر المنثور، وعقائل مسائل تستحق أن تكتب بالنور على وجنات الحور، ومباحثات سديدة سنحت للخاطر الفاتر حال فراغ البال، ومناقشات عديدة سمح بها الطبع القاصر أيام الإشتغال، مع ترتيب أنيق لم أسبق إليه، وتهذيب رشيق لم أزاحم عليه، ثم عثرت بعد ذلك على نوادر تتحرك لها الطباع، وتهش لها الأسماع، وطرائف تسر المحزون، وتزري بالدر المخزون، ولطائف أصفى من رايق الشراب، وأبهى من أيام الشباب، وأشعار أعذب من الماء الزلال، وألطف من السحر الحلال، ومواعظ لو قرئت على الحجارة لانفجرت، أو الكواكب لانتثرت، وفقر أحسن من ورد الخدود، وأرق من شكوى العاشق حال الصدود، فاستخرت الله تعالى، ولفقت كتاباً ثانياً يحذو حذو ذلك الكتاب الفاخر، ويستبين به صدق المثل السائر: كم ترك الأول للآخر.
ولما لم يتسع المجال لترتيبه، ولا وجدت من الأيام فرصة لتبويبه، جعلته كسفط مختلط رخيصه بغاليه، أو عقد انفصم سلكه فتناثرت لئاليه، وسميته: بالكشكول ليطابق اسمه اسم أخيه ولم أذكر شيئاً مما ذكرته فيه، وتركت بعض صفحاته على بياضها لأقيد ما يسنح من الشوارد في رياضها كيلا يكون به عن سعة ذلك نكول، فإن السائل في معرض الحرمان إذا امتلأ الكشكول فسرح نظرك في رياضه، وأسق قريحتك من حياضه، وارتع بطبعك في حدائقه واقتبس أنوار الحكم من مشارقه، وعض عليه أنياب حرصك عضاً ولا تفضه على من كان غليظ القلب فضاً، واتخذه وأخاه جليسين لوحدتك وأنيسين لوحشتك وموجبين لسلوتك وصاحبين في خلوتك ورفيقين في سفرك، ونديمين في حضرتك، فإنهما جاران باران، وسميران ساران، وأستاذان خاضعان ومعلمان متواضعان، لا بل هما حديقتان تفتحت ورودهما وخريدتان توردت خدودهما وغانيتان لا بستان حلل جمالهما؛ مائستان في برود جلالهما فصنهما عن غير طالبهما ولا تبذلهما إلا لخاطبهما
فمن منح الجهال علماً أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
ذكر المفسرون في قوله تعالى
" إياك نعبد وإياك نستعين " وجوهاً عديدة للإتيان بنون الجمع والمقام مقام الإنكسار والمتكلم واحد، ومن جيد تلك الوجوه ما أورده الإمام الرازي في تفسيره الكبير وحاصله: إنه قد ورد في الشريعة المطهرة أن من باع أجناساً مختلفة صفقة واحدة، ثم خرج بعضها معيباً فالمشتري مخير بين رد الجميع وإمساكه وليس له تبعيض الصفقة برد المعيب وإبقاء السليم وهيهنا حيث يرى العابد أن عبادته ناقصة معيبة لم يعرضها وحدها على حضرة ذي الجلال بل ضم إليها عبادة جميع العابدين: من الأنبياء والأولياء والصلحاء وعرض الكل صفقة واحدة راجياً قبول عبادته في الضمن لأن الجميع لا يرد البتة؟! إذ بعضه مقبول ورد المعيب وإبقاء السليم تبعيض للصفقة وقد نهى سبحانه عباده عنه؟ فكيف يليق بكرمه العظيم فلم يبق إلا قبول الجميع وفيه المراد.
عن بعض أصحاب الحال: إنه كان يقول يوماً لأصحابه لو أني خيرت بين دخول الجنة وبين صلاة ركعتين لاخترت صلاة ركعتين؟ فقيل له وكيف ذلك قال: لأني في الجنة مشغول بحظي وفي الركعتين مشغول بحق وليي وأين ذاك عن هذا؟!.
في الإحياء رأى بعضهم الشبلي في المنام فسأله ما فعل الله بك فقال: ناقشني حجتي يئست فلما رأى يأسي تغمدني برحمته.
ورأى بعضهم بعض أصحاب الكمال في المنام فسأله عن حاله فأنشد:
حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا ... هكذا شيمة الملوك بالمماليك يرفقوا
نظر عبد الملك بن مروان عند موته في قصره إلى قصار يضرب بالثوب المغسلة، فقال: يا ليتني كنت قصاراً، لم أتقلد الخلافة فبلغ كلامه أبا حازم.
للبهاء العاملي







رد مع اقتباس