عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-10, 04:32 pm   رقم المشاركة : 26
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الحادية عشرة : العدل فوق كل اعتبار :
قال الله تعالى : {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (42) سورة المائدة .
تتحدث الآية عن اليهود الذين آتاهم الله التوراة , وعن بعض صفاتهم السيئة , وقد صدرت الآية بصيغتي مبالغة : سَمّاعُون , وأكَّالُون , والآية أتت في سياق ذمهم وقبح أفعالهم , وقد سبق هذه الآية قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (41) سورة المائدة .
وهذه الآية تعطينا دلالة أكيدة على شنيع أوصاف اليهود مع ما آتاهم الله من علم الكتاب وهو التوراة , فحرفوا الكلم عن مواضعه , وكانوا سماعين للكذب ( مكررة مرتين ) , وهم الذين قالوا : يد الله مغلولة , وقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء , وقالوا : عزيزٌ ابنُ الله , وقتلوا الأنبياء , وآذوا موسى عليه السلام , ومع كل هذه الجرائم العظيمة في حق الله تعالى وحق عباده وأوليائه إلا أن الله تعالى يأمر نبيه بأمر عظيم , وشأن خطير , يدل على القيمة السماوية التي جاء بها هذا الدين ليكون مهيمناً على الأديان كلها , ذلكم أن الله تعالى أمر نبيه بالعدل معهم " وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ " , فلا مجال للظلم هنا , فالعدل فوق كل اعتبار , ولا صوت يعلو فوق صوت العدل مهما يكن الخصم , ولا صوت يعلو فوق صوت حق الإنسان حينما يكون له حق , حتى ولو كان في الخسة والنذالة بمنزلة اليهود , فحين تحكم يا محمد بينهم فإياك والظلم لأن الله تعالى لا يحب الظالمين , بل الزم العدل والقسط معهم لأن الله تعالى يحب المقسطين العادلين .
أي دينٍ هذا ؟
وأي كتابٍ هذا ؟
وأي دستور هذا الذي يأمر بالعدل حتى مع أشد الأعداء ؟
إنه الإسلام .
إنه القرآن .

إنه الشريعة السماوية المحمدية التي ختم الله بها رسالته , وجعلها مهيمنة على الدين كله .
لقد كَفَلَ الله حقوقَ الإنسان – أي إنسان – وأنزل ذلك في كتابه وجعله شرعة ومنهاجاً للمسلمين , وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه , ذلكم حكم الله تعالى , ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الظالمون الفاسقون .
إن تحكيم شرع الله تعالى , والبعد عن الأهواء النفسية والسياسية والعِرقية والطائفية , وإقامة العدل بين الناس هو دستور هذه الأمة وشعارها التي جاء بها هذا الدين الحنيف {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (48) سورة المائدة .
أين المنظمات العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان لترى كيف كفل الله حقوق الإنسان كإنسان , وأمر بالعدل معه دون اعتبار لمصلحة أو عداوة { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (58) سورة النساء . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة .
إن الإعراض عن هذا الدستور العظيم ( الحكم بشرع الله تعالى والعدل ) يؤدي إلى شريعة الغاب , وتفشي الظلم , والعودة إلى الحياة الجاهلية الأولى : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50) سورة المائدة .
لقد أرسى الله تعالى قواعدَ العدلِ في كتابه , وبين أن أبرز ما يؤثر في العدل إما مرضاة أو عداوة , وجاء التركيز على هذين الأمرين في القرآن العظيم , فأمر بالعدل حال العداوة كما مر معنا في أكثر من آية في المائدة , وأمر بالعدل في حال المحبة والرضا كما في قوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } (152) سورة الأنعام , فأمرَ الله تعالى بالعدلِ ولو كان هناك ما يُنقصه , وهو القرابة , وهذه الآية من الوصايا العشر الواردة في سورة الأنعام التي تحث على العقيدة والخلق القويم .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء
فانظروا كيف أمر الله بالعدل والقسط , ولو على الأنفس والوالدين والأقربين , وبيّن سبحانه أنّ عدم إقامة العدل مع هذه الطائفة إنما هو من اتباع الهوى ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) أي فلا تتبعوا الهوى بأن لا تعدلوا , ومن أعرض عن العدل فإن الله تعالى خبير بعمله , وهو سبحانه قادر على أخذ الحق منه .
فهل نحكم كتاب الله تعالى ونلزم العدل فيما نأتي ونذر , وفيما نحب ونكره , كي نكسب محبة الله تعالى ونبتعد عن غضبه ومقته ؟
والله تعالى أعلم .
11 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس