الموت حباً
(2) الحلقة الثانية :
أقيم عرس نور في منزل العريس رضوان على نطاق ضيق.. اقتصر فقط على الأهل المقربين جدا ...وكان عرس هادي نوعا ما .....والعروس قلقة جدا ....حياة جديدة وبيت جديد ...ورجل لم تألفه بعد ....يا ترى ماذا يخفي لها المستقبل ....وكيف سيكون العيش مع هذه العائلة .....الله أعلم .....لقد علمت أنها ستعيش مع حماتها وضرتها في بيت واحد ....شيء يبعث حقاً على الخوف والقلق .....كل هذه الأفكار السوداء كانت تراود نور وهي جالسة على الأسكي أمام العريس الذي كان هادئا ومرحبا بالضيوف .....رجل مكتمل النضج والرجولة فهو في السابعة والأربعين من عمره وهي في السابعة عشرة من عمرها ....الفرق شاسع جدا ....ثلاثين سنة ......فارق مخيف ......وانتهى العرس على سلامة ....وودعت نور أهلها و عيناها وقلبها يبكيان بحرقة على فراقهم.... صحيح أنهم في نفس البلد والمكان وستزورهم حقاً إلا أنها لم تعد تسكن معهم في نفس البيت الذي ولدت وكبرت فيه .....وودع رضوان ضيوفه كذلك ......وبقيت نور معه هو وزوجته وأمه لوحدهم ......رمقت نور هند ضرتها من الأسفل إلى الأعلى.. امرأة جميلة مكتنزة بيضاء ونضرة كأنها بعمر الخامسة والثلاثين أو أكثر بقليل لم تغادر الابتسامة وجهها طوال العرس وهذا ما استغربته نور جدا .....كيف تبتسم ويبدو عليها السعادة واليوم عرس زوجها على فتاة لو كانت أنجبت له لكانت بعمر نور ....ألم ترى جمالي وهيئتي ( تقول نور في نفسها ) أتستخف بي من اليوم الأول .....على كل سنرى سر هذه الابتسامة والإشراق قريبا ......ثم نظرت إلى أم رضوان فهي ست مسنة ....ولكنها على ما يبدو انها حنونة ومحبوبة من العائلة كما لاحظت نور .....ولكن كيف هي معاملتها ..... أيضا الله أعلم ....دار ذلك في خلد نور وهي ما زالت جالسة في الصالون بفستان العرس ....قالت هند سأحضر العشاء ريثما يغيرون ملابسهم العرسان فكل شيء جاهز ومحضر .....وقامت مسرعة ....إلى المطبخ .....وبالفعل أخذ رضوان نور من يدها ودخلا غرفتهما ....وما ان دخلا وسكرا الباب حتى ابتسم رضوان ابتسامة عريضة قائلا مبارك يا ست العرايس .....سأغير ملابسي على عجل وأتركك تأخذين راحتك وتغيري ملابسك ولكن لا تتأخرين فأمي وهند ينتظروننا خارجا ......وبالفعل غير رضوان ملابسه الرسمية وخرج مسرعا ......وقفت نور لدقائق مستغربة ....كأن رضوان يتصرف بشكل عادي و ليس كعريس ......غيرت نور ملابسها بسرعة وخرجت لتجد طاولة الطعام قد ملئت بما لذ وطاب ومن جميع أنواع الطعام الظريف المعد في البيت ....طبخ شامي بامتياز ونفس رائع ....وترتيب وأناقة ...لم تكن نور لتتخيلها .....جلست قليلا هي ورضوان معهم ولم تتكلم نور شيء ...... فقد كانت بحالة من القلق والارتباك لا يعلم فيها إلا الله ......ثم استأذن رضوان امه و هند .....وذهب مع نور إلى غرفتهما ......فتح رضوان باب الخزانة وأخرج منها علبتان مخمليتان بنفس الشكل واللون .....وفتح احداهما وقدمها لنور كانت هدية قيمة جدا عبارة عن سوار مرصع بالألماس وقال رضوان: أرجو أن يعجبك ذوقي يا نور ....أخذت نور العلبة وقلت شكرا انها جميلة جدا .....ولكن عينها على العلبة الأخرى المغلقة .....فهم رضوان نظرة نور وابتسم قائلا: هذه لهند ......وسأعتذر منك هذه الليلة يا نور لأني سأبيت عند هند ....والأيام المقبلة بيننا كثيرة إنشاء الله .....ولكني لا أحب أن أكسر خاطر هند ....وخاصة في هذه الليلة بالذات ....أعرف أنك ستستغربين جدا .....ولكن عندما تتعرفين علي أكثر ستعرفين طباعي وكم يسوؤني ان اجرح أحد ممن أحبهم ....صحيح هذه الليلة من حقك ......ولكن لن تكرهي جبر الخواطر مثلي .....وسكت رضوان وهو ينظر في عيني نور البريئتين ......وأما نور صحيح أنها استغربت كثيرا ....ذلك ؟؟ ....ولكن كأنها ارتاحت لهذا الوضع ....فهي متعبة وقلقة ....لعلها تستجمع أفكارها وشتات نفسها للغد .......صمتت نور لدقائق ثم قالت لرضوان إفعل ما يريحك وتراه مناسبا ....فلا مانع عندي على الإطلاق .....سعد رضوان بهذا الرد ....وقبل نور وخرج .....وبقيت نور في الغرفة لوحدها ....ثم في السرير ...ولم يغمض لها جفن طوال الليل وهي تفكر بأهلها .....وبرضوان وحركته هذه وبهند وأم رضوان ....شعرت كأنهم عائلة غريبة .....أم ياترى رضوان مستخف بها لأنها من عائلة فقيرة .....كيف استطاع أن يتركها وهي بهذا الجمال والسن ......غريب حقاً .....أتكون هند إمرأة قوية ....أم حية من تحت تبن ....وما هي نفسيتها ......وكيف هي حماتها أيضا .......مخاوف وشكوك أرّقت عيناها .....وشغلت فكرها .....وأصبح لسانها يلهج بالدعاء .....من الخوف .....وبقيت كذلك حتى آذان الفجر .....
يتبع