صرااخ .. ألم .. وزفرات مريرة ..
أتسمعون ؟!
هذه آهااات مسكينة لسيدة تتوجع ..
ها هي تتمدد على فراش أبيض ..
و من حولها يطير الناس ..
الرؤية غير واضحة تماما ..
الصورة معتمة .. و عليها غباش متلون بألوان قوس قزح ..
آآآآه ..
يا رب ساعدني ..
رحماك ربي من هذه الآلام ..
تعض بطرف أسنانها على الوسادات ..
و تضرب بكفيها قوائم السرير .. ثم ..
تهمد قوتها فجأة ..
و ترتمي ..
فتنام ..
و تستيقظ على وجع أشد ..
و ألم أقوى ..
فتصيح بمن حولها : ساعدوني .. أرجوكم ..
يا رب رحماك بحالي ..
كلا .. الألم يزيد ..
و العرق يتصبب ..
و الجسد كله في تأهب تام ..
و تعلو الصرخات ..
و تزيد الزفرات ..
و تنهمر العبرات ..
سبحانك يا الله ..
يا الهي .. ماذا أرى ؟!!
قطعة لحم غضة صغيرة ..
خرجت من جوف تلك السيدة الحنونة ..
نظرت السيدة نحوها بمحبة فائضة .. ثم ..
خارت قواها .. و ..
غابت عن الوعي ..
سبحان الله ..
روح تخرج من جوف روح ..
ما أصعبها من مهمة .. و ما أعظمها ..
معا ً ..
أتسمعون ؟
واااء .. وااااء ..
يا الهي ..
هذه أنا !!
ألم تعرفوا صوتي ؟!!
هذا صوتي أنا !!
آآه ..
و أخيرا رأيت النووور ..
وأخيرا خرجت إلى العالم ..
سبحان الله !!
أهكذا يبدو البشر ..
شكلهم غريييب !!
ابتعد عني أيها الرجل ..
ماذا تفعل ؟!!
انه يضربني .. يا الهي .. ألم تسمع ؟
لقد بكيت !!
كل الناس سمعت بكائي .. ألم تسمعه أنت !!
هيا ابتعد عني ..
آآه ..
نعم ..
اتركني هنا ..
على صدرها .. أنعم بحنانها .. و أرتشف من رحمتها ..
كم أنت متعبة .. أرجوك سامحيني ..
أتعبتك أمي .. كم هو مؤلم منظر وجهك الشاحب .. و لكنك جميلة يا أمي ..
كم احبك ..
آآه أمي هيا أفيقي .. انظري لي .. هكذا يبدو شكلي ..
من أشبه برأيك ؟ أنت أم أبي ؟ أم أنني لا أشبه أحدا ..
أمي كم هو مفزع عالمكم .. فيه أشياء متحركة كثيرة .. و أشياء كبيرة ..
يا الهي ماذا لو سقطت علي تلك الأشياء !!
حين كنت داخل أحشائك كنت سعيدة للغاية .. و كان كل شئ يأتيني دون مشقة أو تعب .. أشكرك أمي .. كنت جدا كريمة معي .. ماذا ؟
ماذا تقولين ؟
( اشكري الاله ) ..
آآه .. حسنا .. بدأت التربية .. حسنا .. أشكرك ربي .. كنت بقمة الكرم معي و مع أمي ..
هذا أفضل .. أليس كذلك ؟
أمي .. أرجوك افتحي عينك .. هيا .. أريد رؤيتهما .. ألهذه الدرجة أرهقتك بمجيئي ؟!!
يا حبيبتي .. كم أنا شاكرة لك .. و سأظل أشكر فضلك هذا عمري كله ..
و لكن أمي عليك الآن أن تفتحي عينك ..
و تخبريني .. ما اسم هذه الأشياء .. و من اؤلئك الذين يتحركون .. و أين أبي .. هل شكله مثل شكلك ؟ ثم ما هذه الأشياء التي ينقلونها للخارج ؟ امي ؟ هل تسمعين ؟ ما هذه الأصوات الغريبة ؟ انها تصدر من تلك السيدة .. ماذا تعني تلك الاشارات ؟
اوووه .. كلا .. كلا .. ارجوك استيقظي فتلك السيدة تتقدم نحوي بسرعة ..
امي .. امي .. لا تدعيها تحملني .. ابتعدي أيتها المرأة .. ابتعدي عني ..
آآه .. كم أنا ضعيفة .. لقد أخذتني رغما ً عن أنفي ..
واااء .. واااء .. وااء ..
لا تخافوا .. هذا صوتي أنا .. أفعل ذلك كي أزعجها كما أزعجتني ..
اووووه .. ما هذه الطرق التي تمشي بها ..
وااااو .. كم هو كبيييير هذا العالم ..
يا الهي .. ماذا سأفعل به ؟
ماذا سأصنع في هذا الكون الفسيح ؟!!
ثم ..
ثم .. آه لقد تذكرت .. ما بالكم أيها الناس .. أنا لم اشرب من حليب أمي ..
هل تريدون أن أمرض ؟ هيا عودي أدراجك أيتها المرأة و اقذفيني في حضن والدتي .. ألا تعلمين أن مناعتي تكمن في أول رشفات أهنأ بها من حليبها ..
أترون ؟ هذه المرأة بدأت تثير غضبي .. انها لا تستمع لي .. حسنا ..
وااااااء .... وااااااء ... واااااااء ..
واااء .. اووه .. ما هذا ؟!!!
واااااو .. أشكالهم تشبه شكلي .. كأنهم أنا .. كلنا نشبه بعضنا .. يا الهي !!
سأضيع .. اذا وضعتني هذه المرأة هنا سأضيع بين كل تلك الأجساد الغضة .. كيف سيتعرف الأهل علي ؟!!!
استمعي لي أيتها المرأة .. هذه المرة فقط .. ارجوووك خذيني الى أمي .. واااء .. كيف ستتعرف علي ... وااااء .. ألا تفهمين ؟ سأضيع هنا .. واااااااااااء ..
وضعتني بداخل سرير صغير و مضت !!
اوووه .. الجميع ينظر إلي .. ماذا ؟ ألم تشاهدوا في حياتكم طفلة صغيرة ؟!!!
- ( اتابوتشاهاني كارباتاتا )
* الترجمة الفورية " .. هذا طفل يخبرني نحن سعيدون بك ..
- ( نانا ) ..
* و أنا أيضا ..
- ( منتلابة نبنتبتالتاو) ؟
* ما رأيك بهذا العالم الجديد .
- ( مناعلتلوماونةلتتاتا منتونتو) ؟
*بصراحة لم أكتشفه بعد !! ما رأيكم أنتم ؟
- ( غقاووانوةناخكامناونا وناناوماستاتلنور ) ..
*يقولون أنه بغيض و تكمن فيه الشرور و أن كل مخلوقاته متوحشة ..
- (اوه تاتتوو) !!
* اوه مرعب !!
ثم .. بعد المحادثة الفريدة من نوعها ..
رفعت رأسي لهم و قلت : ( سامساوماتتو كونهاتيبرييتو )
*اسمحوا لي , أنا متعبة و أريد النوم الآن ..
أغمضت عيني .. و انا أفكر .. اوه .. المشوار طويل أمامي ..
متى سأتعلم النطق .. و متى ستبرز أسناني .. و متى سأتعلم المشي .. بل متى سأدخل المدرسة .. متى سأكبر .. و متى سأرتدي الحجاب .. و متى ساتخرج من الثانوية .. و متى سأكمل دراستي الجامعية .. و متى سأتزوج .. و متى سأموت .. اوه .. نعم .. حسنا .. متى سأموووت ..
الولادة تذكر بالموت .. طبعا .. بالتأكيد ..
حسنا فكرت .. ثم فتحت عيني .. و نظرت للسماء .. همست .. يا رب , يقولون أن الحياة مؤلمة و صعبة .. و أنها مليئة بالشر .. أتعلم .. أنا اعتقد أنها أيضا جميلة و ممتعة .. و يكثر فيها الخير .. و لكن بشرط أن يرافقك من يعيش فيها ..
حسنا يا رب .. يقولون أنني طفلة .. و لكني أفكر .. و هل ذلك بمعجز عنك .. أنت خلقت لي دماغا أستخدمه .. و أنت قدرت لي أن أحضر لهذا العالم دون علمي .. خرجتُ للعالم لأنك كتبت لي الخروج إليه .. فدعني أفهم منك بعض الأمور إذا ..
يا رب هذه دار ابتلاء .. و هي ظل زائل لا محالة ..
و قد ألهمت ُ أيضا أنك جعلتني خليفة عليها .. حسنا .. أعدك أنني سأفعل عليها ما بوسعي .. و قدر طاقتي .. سأحاول أن أرضيك .. و أن أتقرب إليك بما تحبه .. و لكني سأخطأ بطبعي الانساني .. و سوف أرتكب ذنوبا أخجل امامك منها .. فواسوأتاه حينها ما أفعل ؟
فسمعت بداخلي صوتا نديا يقول : {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (22) سورة الرعد
آآه .. حسنا هذا رائع ..
و لكن ماذا سأفعل حين يُصيبني الهم و الحزن و الغم .. فهذه دار بلاء ؟
فتردد بداخلي صوت ندي آخر يقول : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ..
طرت فرحا بها و أخذت أشكر ربي ..
ثم طأطأت رأسي و قلت : و لكن يقولون أن هذه الدار مليئة بالمصائب المتدافعة و الفواجع التي تقصم الظهر فما أفعل أمامها ؟
فانساب صوت بغاية العذوبة و قال : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ...
حسنا .. و لكن ماذا أقول ؟ علمني ..
فجاء هذا الصوت : {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
آآآه .. ما أعظمك الهي .. أشكرك يا ربي و أحمدك ..
و لكن .. و لكن .. إذا أصابتني فاقة و وقعت في مأزق فكيف أخرج منه ؟
فصدح صوت عال يقول : {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} ..
أشكرك .. أشكرك يا رب السماوات و الأرض .. ما أعظمك و أجل شأنك ..
و لكن شهوات نفسي يا رب .. أخاف من شهوات النفس و أن تغلبني على أمري فأضعف أمامها فدلني ما أصنع ؟
فجاء صوت هادئ يفيض جمالا و عذوبة فقال : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ...
آآه أنا لا أصدق .. كم أنت كريم .. كم أنت رحيم .. أرجوك ربي أعني على نفسي و اكتبني من عبادك الصالحين .. لقد أجبت على أكثر ما يحيرني اجابات تشفي الغليل و تشرح الصدر و تريح الفؤاد .. كم أنت عظيم و كم أنت رحيم بنا ..
علي أن أحبك منذ الآن .. سأتنفس حبك منذ الآن حتى ترافقني طيلة سنوات عمري .. فأرجوك يا رب مهما فعلت لا تفارقني و أرشدني و قربني من كل شئ تحبه بل أريدك يا رب أن تحببني فيه .. اتعلم .. أريد ان يكون حبك إلي أحب الي من الماء البارد .. تماما كما كان يدعو حبيبي المصطفى ..
أرجوك ربي كن معي دائما و لا تتركني بأي حال من الأحوال .. أرجوك ربي .. هل تسمعني يا رب ..
يا الهي .. هذا أجمل صوت سمعته و أروع كلمات طرقت أذني و قلبي منذ خرجت لهذا العالم .. أتسمعون : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ..
حسنا .. لم تعد لي أي حجة الآن .. أصبحت أعرف أهم الأمور ..
كم أنا سعيدة بالهي .. انه لا يترك من يصاحبه .. و لا ينسى من يذكره .. هل يوجد أروع من ذلك ؟!!
اوووه كلا .. لا أعتقد أبدا ..
حسنا .. سأغمض عيني الآن و سأنام .. سأنام نوما عميقا فهناك مفاجئات رائعة بانتظاري و علي أن أستعد لها ..
آآه نعم .. تذكرت .. يا رب لقد حرموني من شئ كنت أشتاق له كثيرا .. لم يسمحوا لي بتذوق حليب أمي ..
ماذا ؟
نعم .. لقد فهمت .. هذه من ضمن الأمور التي علي تعلمها .. حين لا أحصل على شئ فعلي أن أصبر على حرمانه فربما الخير بجانبه و أنا لا أعلم ..
و أنت تقول في ذلك : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ..
آآآه ما أروع هذا الدين و ما أسهله و ما أحلاه ..
حسنا .. هذا النعاس بدأ يتسلل إلى أجفاني .. هل أستسلم له أم لا ؟ لقد أعجبني أن أفكر بك يا الهي .. حلاوة التحدث معك تعدل عن أي حلاوة .. بل أنا أجدها احلى من حليب أمي الذي لم أتذوقه بعد !! .. هيا ابتعد عني أيها النعاس .. الأطفال من حولي كثير , اختر واحدا منهم و اتركني مع هذه اللذة ..
ألا .. تسمعني .. اذهب .. لا .. ترفرف هكذا .. أنت .. تتعبني ..
انظر .. هناك .. طفل .. يريدك .. أكثر مني ..
اتركني .. و شـ .. أ ... نـــ ... ـــي ...
آآآآه ..
خششش .. خششششش
ذكرى مولدي ... 5- 4- 2006