عرض مشاركة واحدة
قديم 18-08-10, 06:33 pm   رقم المشاركة : 21
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الثامنة : حفظ جناب الأعراض :
قال الله تعالى : {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } (15) سورة النساء .
تتحدث الآية عن أحكام النساء الزواني , ومصيرهن في شرع الله , وللعلماء كلام طويل في هذه الآية , وهل هي منسوخة في آية النور أم لا ؟ يراجعُ في مظانِّه من كتب التفسير والأحكام , وقصدي هنا أن أستنبط بعض الفوائد والدلالات .
الآية افتُتِحَتْ باسم الموصول ( اللاتي ) وهو دالٌّ على جمعٍ مؤنَّث , ومُفْرَدُه ( التي ) , ومثله : ( اللائي ) كما قال تعالى : {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ } (4) سورة الطلاق . ويجوز أن يُنْطَقا بحذفِ الياء ( اللاتِ واللاءِ ) , والاسم الموصول في أصل وضعه يدل على العموم .
( يأتين الفاحشة ) فعل مضارع ونون النسوة فاعله , والفاحشة مفعوله , والفاحشة هنا يقصد بها الزنا قطعاً , والجملة صلة الموصول , وفيها دلالتان :
الدلالة الأولى : أن النساء هُنَّ اللاتي تَعَمَّدْنَ فِعْلَ الفَاحِشَة , ولم يُكْرَهْنَ عليها .
الدلالة الثانية : أن فيها شبه إثبات لعملية الفاحشة , بمعنى أن النساء قد وقعن فيها فعلاً , فما العمل ؟
جاء الجواب بما بعده : " فاستشهدوا عليهن أربعة منهن "
أي فاطلبوا الشهادة والبينة على إثبات وقوع الحادثة بأربعةٍ من الشهود الرجال , والدليل أنهم رجال قوله : " منكم " فالضمير المذكر يدل على تذكير الشهود , ويدل أيضاً على إن الشهود مسلمون ؛ إذ لا يؤخذ بقول شهادة كافرٍ على مسلم في مثل هذا { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء .
فهذا السياق يدلنا على حرص الشريعة على حفظ جَنَابِ عِرْضِ المسلم , وخاصة النساء اللاتي قد يقعن في الفاحشة , ولكن لا يمكن معاقبتهن إلا ببينة مغلظة قوامها أربعة شُهَداء .
فنلحظ أنه في أول الآية أنه استخدم الاسم الموصول الدال على إثبات الحدث , ولكنه ليس إثباتاً قطعياً ؛ لأن الاسم الموصول فيه نسبة تعليق كالشرط , ولكنه ليس شرطاً , فالتعبير بالموصول ليدل على نسبة وتناسب في إثبات الحدث من عدمه , ولو كان التعبير بلفظ الشرط ك ( إنْ ) أو ( مَنْ ) لكان التعليق قطعياً .
ثم قال سبحانه : ( فإنْ شَهِدوا ) صدّرَ الشرط بلفظ ( إنْ ) , وهو لا يدل على الجزم بوقوع الشرط , بل يدل على الاحتمال , بخلاف ( إذا ) الدالة على الجزم , وفي هذا دلالة على أن الشهود قد يشهدون فعلاً على وقوع الحادثة وقد لا يشهدون , وعدم شهادتهم أقرب للواقع كما هو معروف عند أهل العلم .
ثم بين سبحانه وتعالى عقوبة النساء الزواني بعد أن تثبت عليهم البينة , وهي الحبس في البيوت ( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) , وفي هذا دلالة على أن المرأة لا تحبس في بيتها دائما , بل يسوغ لها الخروج لأغراضها وشؤونها , ولا تُحبسُ إلا لعقوبة أخلاقية كما في هنا .
فأين مَنْ يحبسون نساءهم في دورهن غير إخراج ؟ , ظنا منهم أنهم يطبقون قوله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (33) سورة الأحزاب , ناسين أن ( قَرْنَ ) أمر بالقرار الدائم الذي يجلب الطمأنينة النفسية لها , وليس الحبس وعدم الخروج , فالقَرار في البيت لا ينافي الخروج للحاجة , هذا على القول بعموم الآية الأخيرة وأنه ليس مقصوراً على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإن سأل سائل عن معنى : يتوفاهن الموت , والوفاة والموت شيء واحد ؟ فقد أجاب الزمخشري – رحمه الله على ذلك بقوله : " يجوز أن يرادَ حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله : " الذين تتوفاهم الملائكة " " قل يتوفاكم ملك الموت " , أو حتى يأخُذَهُنَّ الموتُ ويستوفي أرواحهنّ " [ الكشاف : 1 / 487 ] .
( أو يجعل الله لهن سبيلاً ) إما بالزواج , وإما ببيان الحد عليهن الذي نزل بعد ذلك في سورة النور .
من خلال هذا العرض السريع للآية تبيّن لنا كيف حرصت الشريعة على حفظ جناب الأعراض , وأنه لا يصح أن نأخذ النساء بالظِنة والشك , ولا يكفي غلبة الظن والقرائن , بل يجب أن يكون هناك بينة قاطعة , , لأن الحدود تدرأ بالشبهات .
والله أعلم .

الأربعاء 8 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس