[align=justify][align=center]( 2 ) [/align]
يُرجع بعض الباحثين تفوق شعر الطبيعة الأندلسي على المشرقي لسببين:-
أولهما: طبيعة الأندلس الرائعة والخلابة، التي سحرت قلوب الشعراء، وأخذت بلباب عقولهم.
وثانيهما: حياة اللهو والمتعة، التي مارسها الشعراء في مجالس الأنس والطرب والشراب، وكانت الطبيعة مسرحاً لها.
ولعل أفضل التصنيفات الموضوعة، التي اتبعت لدراسة شعر الطبيعة ، هو تصنيف مصطفى الشكعة في كتابه (الأدب الأندلسي، موضوعاته وفنونه) حيث صنف شعرَ الطبيعة إلى خمسة موضوعات هي: الروضيات والزهريات والثمريات والمائيات والثلجيات. ولعلي أتبع هذا التصنيف؛ لأنه يحيط بالموضوع من أغلب أطرافه، ويساعد على طرح نماذج لهذا اللون الشعري في كل جوانبه.
الروضيات :
حين يعمد شاعر الطبيعة إلى وصفها، فهو أشبه ما يكون بالرسام الذي استحضر معه كل الأدوات والألوان البهيجة، حيث يجعل الشاعر من أبياته لوحة رائعة الجمال تأسر الأنظار، وتستأثر بالألباب. وشاعر الطبيعة أحوج ما يكون إلى هذا التلوين والتنويع في الروضيات، إذ إن الطبيعة فيها الخضرة والصفر والحمرة، وفيها الأغصان الغضة والسيقان المياسة. والشاعر الأندلسي أحسن في تصوير هذه الطبيعة، وكانت أدواته هي ألوان من البديع، من تشبيه، واستعارة، وجرس، وحسن اختيار للألفاظ الرقيقة العذبة.
هاهو ذا الشاعر الوزير عبد الله بن سماك يقول في وصف الرياض:
[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الروض مخضر الربي متجمل = للنـاظـرين بأجـمل الألوان
والطير تسجع في الغصون كأنما = نـَـقـْـر القيانِ حنـَـتْ على العيدان
والماء مُطرِدٌ يسيل لعابه = كسلاسل من فضة وجمان
بهجات حسن أكملت فكأنها = حسن اليقين وبهجة الإيمان [/poem]
وهذا القاضي أبو الحسن بن زنباع، يصف روضة وما فعلته بها السحب، حيث لبست حلة جميلة، وتفتحت أزهارها ونضجت ثمارها يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبدت لنا الأيامُ زهرةَ طيبها = وتسربلت بنضيرها وقشيبها
واهتز عطف الأرض بعد خشوعها = وبدت لها النعماء بعد شحوبها
وقفت عليها السحْب وقفة راحم = فبكت لها بعيونها وقلوبها
فعجبت للأزهار كيف تضاحكت = ببكائها!، وتبشرت بقطوبها
وتسربلت حللاً تجر ذيولها = من لطمها فيها وشق جيوبها
فلقد أجاد المزن في إنجادها = وأجاد حر الشمس في تربيبها [/poem]
وهذا ابن الزقاق يهتز طرباً للروابي والرياض المطلولة بالمطر، حيث توحي إليه بلحظات العشق وتباريح الغرام.
[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تأرج مطلول الروابي فزرتها = وأمثال هاتيك الربى يقتضي الـزَّوْرا
وأتحفني فيها الربيع بورده = عبيراً به الأنفاس إذ فتق النورا
حكت نفحةً ممن هويتُ ووجنة = فأنشـُـقها طوراً، وألثمها طورا. [/poem]
ونلاحظ في البيت الثالث لمحة من مزج الطبيعة بالغزل، على نحو لم يعرف عند المشرقيين، وهذه الظاهرة تحدثت عنها مفصلاً في مكان آخر من هذا الموضوع، ربما لن يتسنى لي نشره.
والروضيات في الشعر الأندلسي وإن عدها البعض امتدادا للمدرسة الحلبية بدمشق، إلا أنها تميزت بوفرة الصور، وجزالة اللفظ، وأناقة في اختيار الألوان التي يلبسها الشاعر عمله الفني.
[line]
للموضوع بقية ..[/align]