[align=center]من لنضوٍ يتنزّى ألما ... برّحَ الشوقُ به في الغَلَسِ
حنَّ للبانِ و ناجى العلما ... أين شرقُ الأرضِ من أندلسِ
...
بلبلٌ علّمهُ البينُ البيانْ ... بات في حَبْلِ الشجونِ ارتبكا
في سماءِ الليلِ مخلوعَ العِنان ... ضاقَتِ الأرضُ عليهِ شبَكا
كلّما استوحشَ في ظلِّ الجنان ... جُنَّ فاستضحكَ من حيثُ بكى
ارتدى بُرنُسَه و التثما ... و خَطا خُطوةَ شيخٍ مُرعَسِ
و يُرى ذا حَدَبٍ إن جَثَما ... فإن ارتدَّ بدا ذا قَعَسِ
...
نَفَرتْ لوعتُه بعدَ الهدوءْ ... و الدُّجى بيتُ الجوىو البُرحا
يَتعايا بجناحٍ و ينوءْ ... بجناحٍ مُذ وهى ما صَلحا
ساءَهُ الدهرُ و ما زال يسوءْ ... ما عليهِ لو أسا ما جَرحا
كلّما أدمى يديهِ ندما ... سالتا من طوقِه و البُرنُسِ
فَنِيتْ أهدابهُ إلا دما ... قام كالياقوتِ لم ينبجِسِ
...
قُلتُ للّيلِ - و للّيلِ عوادْ - ... من أخو البثّ ؟ فقال : ابنُ فِراقْ
قلتُ : ما واديهِ ؟ قال : الشجوُ وادْ ... ليسَ فيهِ من حجازٍ أو عراقْ
قلتُ : لكنْ جفنه غيرُ جوادْ ... قال : شرُّ الدمعِ ما ليسَ يُراقْ
نغبطُ الطيرَ و ما نعلمُ ما ... هي فيهِ من عذابٍ بَئِسِ
فَدَعِ الطيرَ و حظّاً قُسّما ... صيَّرَ الأيكَ كدورِ الأنَسِ
...
ناحَ إذ جَفنايَ في أسرِ النجومْ ... رَسَفا في السُّهدِ و الدّمعُ طليقْ
أيّها الصارخُ من بحرِ الهمومْ ... ما عسى يُغني غريقٌ عن غريقْ ؟
إنّ هذا السهمَ لي منه كلومْ ... كلُّنا نازحُ أيكٍ و فريقْ
قلِّب الدنيا تجدها قَسَماً ... صُرِّفتْ من أنعمٍ أو أبْؤسِ
و انظرِ النّاسَ تجدْ من سَلِما ... من سهامِ الدهرِ شجّتهُ القِسِي
...
كم قبورٍ زيّنتْ جيدَ الثّرى ... تحتها أنجسُ من مَيْتِ المجوسْ
كان من فيها و إن جازوا الثرى ... قبل موتِ الجسمِ أمواتُ النّفوسْ
و عظامٌ تتزكّى عنبرا ... من ثناءٍ صِرنَ أغفالَ الرموسْ
فاتّخذ قبركَ من ذكرٍ ، فما ... تَبْنِ من محمودهِ لا يُطمَسِ
هَبْكَ من حرصٍ سكنتَ الهرما ... أين بانيهِ المنيعُ الملمسِ
هذه موشّحة أندلسيّة للشاعر " أحمد شوقي "
و هذا عند الحديث عن الموشّحات بشكلٍ عام ..
و قد أدرج الأخ ماجد مقطعاً من موشّحةٍ في العصر الأندلسي ..
ففضّلتُ أن آتي بموشّحة من عصرٍ آخر ..
و لا زالت الموشّحات ثابتة الأركان قويّة الدعائم دارجة الاستخدام حتّى يومنا هذا ..
فلله هو ذلك العصر ..
رغم النشوة الشعرية في العصر الأندلسي إلا أنّه لا يخفى على الجميع الغزل الفاحش الذي انتشر فيه
و غير ذلك من مثالب المروءة
و هذا ما أدّى إلى سقوطها ..
قال تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}
كان السقوط حينئذٍ ..
و مما يميّز الشعر الأندلسي بصورةٍ عامّة ..
الرّقة و العذوبة التي أضفتها الطبيعة الخلابة التي تمتّعت بها البلاد ..
و للقاريء أن يُقارن بين الشعر الأندلسي و غيره من الشعر قبله أو بعده ..
هذا ما لديّ
و لعلّي أترك المجال لغيري لكي يُثرينا ..
و سأنتظر القضاء عليّ بفارغ الصبر 
الشجيّ [/align]