[align=center]تلاشت رائحة القهوة وبقيت رائحة السجائر – أصوات السيارات أصبحت مسموعة – والعرض العسكري قرع أحذية الجنود على ساحة المخفر تكاد تخترق أسماع عزيز .
أشرقت الشمس وتبددت السحب . نهض عزيز وجلس بمحاذاة الفولاذ منتظرا حراس الأمن والأمل يتسلل إلى قلبه المنهك وعيناه المحروقة أنه سيلقى المحقق الكبير ليسأله: لماذا أنا هنا؟
ماذا سأقول للمحقق ... نعم سأقول أنني بريء من كل تهمة ... ثم ما هي هذه التهمة أنا لست متهم !! ... أنا ربما مشتبه به ... أو ربما أشبه أحد المطلوبين أمنيا ...!! ربما أشبهه أحدهم إلى درجة كبيرة .. ربما الشبه الكبير أربك الجنود ولم يملكوا إلا أن يقبضون علي للتأكد ... نعم هو ذلك ... أنا شبيه أحد المجرمين بمجرد ما سيرى المحقق هويتي سيعتذر مني ويخرجني من هنا وربما يأمر أحد الجند أن يوصلني للبيت ... نعم هو ذلك .... لكن هويتي أخذها الجند .. حتما سيطلبها منهم قبل أن يطلب أن يراني !! ................................ هكذا كان عزيز يحدث نفسه .
ارتسمت بسمة صادقة منهكة على محيا عزيز, أحس أنه سيغادر هذا القفص البارد إلى البيت إلى حضن أمه الدافئ وإلى طاولة الطعام ليتناول معها الإفطار ويشرب الشاي الساخن ويخبرها أنه لم يقصد إفزاعها بل هو سوء فهم اجبره على أن يقضي الليلة خارج المنزل وأرغمه أن لا ينام في غرفته الدافئة وعلى فراشه الوثير ... أغلق عزيز عيناه وأسند رأسه على حائط الزنزانة حالماً ..
– صوت أحذية الجنود – الجنود قادمون و يتحدثون , يضحك أحدهم ثم توقفوا أمام الزنزانة .
أربعة جنود أحدهم كان يحمل طعاماً وآخر يحمل صندوق خشبي وآخر يحمل ملابس بلون واحد وحقيبة سوداء والأخير كان يحمل مفاتيح الزنزانة ولوحة تحمل عشرة أرقام .
جندي الصندوق الخشبي يخاطب عزيز: ضع كل مقتنياتك في هذا الصندوق , ساعة معصمك, محفظة نقودك, مفاتيحك وكل ما يتسع له هذا الصندوق .
جندي الملابس: عليك أن تخلع ملابس وتضعها في هذه الحقيبة وترتدي هذه الملابس الخاصة بأسرع وقت ممكن .
جندي الطعام: ولن تحصل على الطعام إن تأخرت عن ما سمعته .
الجندي حامل المفاتيح واللوحة: وعليك أن تحفظ هذه الأرقام التي على اللوحة فهي هويتك الجديدة .
يكاد عزيز يجزم أنه يحلم ولم يفق من نومه ...... عزيز لا ينطق بأي حرف .. عيناه شاخصة وشفتيه متباعدة ....
عزيز كالحلم يسمع صوت عالي ينهره : ألم تسمع !!
جندي الملابس: هل أنت أطرش؟ عليك أن ترتدي هذه الملابس بسرعة
عزيز لا يصدق ما يحدث أمامه , عزيز يحدث نفسه: هذه ملابس المجرمين, وأنا لست مجرماً ولا قاطع طريق ولم أسرق في حياتي غير تفاحة قبل عشرين عاماً ... لكنها تفاحة من بستان أبي !! .... هل عاد أبي للحياة؟ ويريد أن يعاقبني ... أم تراها لعنة التفاحة تتحقق بعد عشرين عام !! يا إلهي ما الذي يحدث !! بأي ذنب أنا هنا ؟
ربما هو والينا المعظم, لأنني شتمته في يوم من الأيام , ولكن أنا لم أخبر أحداً أنني شتمته ؟ نعم أنا شتمته في سري !
(الربع الثاني)[/align]