عرض مشاركة واحدة
قديم 26-11-03, 01:04 am   رقم المشاركة : 5
شقرديه
عضو ذهبي






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : شقرديه غير متواجد حالياً

.

[c]
من أقواله:

عمر المختار "إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن, وليس لنا أن نختار غير ذلك, إنا لله وإنا إليه راجعون"

ينسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة, ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في هضبة المرماريكا في الجهات الشرقية من برقة, وقد وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور, ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل, وقد أظهر المختار من الصفات الخلقية السامية ما جعله محبوباً لدى شيوخ السنوسية وزعمائها متمتعاً بعطفهم وثقتهم, وعندما غادر السيد المهدي الجغبوب إلى الكفرة سنة 1895م, اصطحب معه عمر المختار.

شارك عمر المختار في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي) وحول واداي. وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً, ثم عين شيخاً لزاوية عين كلك ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية. وبعد وفاة السيد محمد المهدي السنوسي عام 1902م تم استدعاؤه حيث عين شيخاً لزاوية القصور.

ولقد عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م, وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل السيد أحمد الشريف, وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي, أذكر منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم, ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913, وعشرات المعارك الأخرى. وحينما عين أميليو حاكماً لبرقة, رأى أن يعمل على ثلاث محاور, الأول قطع الإمدادات القادمة من مصر والتصدي للمجاهدين في منطقة مرمريكا, والثاني قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطه والمخيلي, والثالث قتال المجاهدين في مسوس واجدابيا. ولكن القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة والزويتينة في فبراير 1914م, ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.

بعد الإنقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922, وبعد الإنتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار

ومما كتب فيه:

في ذكرى إستشهاد عمر المختار
صفتان متميّزتان

بقلم: د. محمد يوسف المقريف

لقد حبا الله السيد عمر المختار بسجايا جليلة كثيرة؛ منها الإيمان القوي بالله والتوكّل عليه والتسليم لقدره، ومنها التقوى والتجرّد، ومنها الشجاعة الخارقة والاقتحام، ومنها الجلد والصبر وقوة العريكة، ومنها العبقرية الحركية والقتالية، غير أنّه يعنينا في مجال العظة والعبرة أن نشير وأن نتوقّف عند صفتين بالذات من الصفات التي تحلَّى بهما سيدي عمر وكان لهما أثرهما الكبير على استمرار مسيرة الجهاد التي قادها في أحلك الظروف وأصعبها ونعني بهما صفتيْ؛ الثبات على المبدأ والولاء المطلق والمتواصل للحركة السنوسية وقيادتها وهو ما قد يُطلق عليه البعض بلغة العصر "الانضباط الحركي والتنظيمي العالي".



يتمثَّل ثبات السيد عمر المختار على مبدئه في جملةٍ من المواقف وخلال عددٍ من المناسبات. من ذلك، أنّ إيطاليا حاولت بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار وعرضت عليه بأنَّها سوف تقدّم له مساعدة إذا ما تعهَّد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف إيطاليا، وأنَّ حكومة روما مستعدَّة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الأولى في ليبيا كلّها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتَّع بمكانتها عند إيطاليا في طرابلس وبنغازي، وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهّد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهَّد حكومة روما بأن توفِّر له راتباً ضخماً يمكّنه من حياةٍ رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورةٍ سرّية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتمّ كلّ شيء بدون ضجيج تطميناً لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع عن فكرة القيام في وجه إيطاليا.[1]



وقد أكَّد عمر المختار هذا الاتصال وهو في مصر لمَّا سئل عن ذلك وقال:



"ثقوا أنّني لم أكن لقمةًَ طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغيِّر من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإنَّ الله سيخيّبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة. وأنا لم أكن من الجاهلين والموتورين فاّدّعي أنني أقدر أن أعمل شيئاً في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤوسهم ويدّعون أنّهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، إنّني أعيذ نفسي من أن أكون في يومٍ من الأيام مطيَّة للعدوِّ وأذنابه فأدعو الأهالي بعدم الحرب ضدَّ الطليان، وإذا لا سمح الله قدّر عليَّ بأن أكون موتوراً فإنَّ أهل برقة لا يطيعون لي أمراً يتعلَّق بإلقاء السلاح. إنَّني أعرف أنَّ قيمتي في بلادي، إذا ما كانت لي قيمة أنا وأمثالي، فإنَّها مستمدَّة من السنوسية."[2]



وعندما خرج السيد عمر المختار من مصر (1923 م.) قاصداً برقة لمواصلة الجهاد، اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنَّه قد بلغ من الكبر عتيّا وأنَّ الراحة والهدوء ألزم له من أيّ شيءٍ آخر وأنَّ باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعّم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً حيث قال لمحدّثيه:



"إنَّ كلَّ من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأنَّ ما أسير فيه إنَّما هو طريق خير، ولا ينبغي لأحدٍ أن ينهاني عن سلوكها، وكلّ من يحاول ذلك فهو عدوٌّ لي .."[3].



لم تكفّ إيطاليا عن محاولاتها الفاشلة لتغيير موقف الشيخ عمر المختار وإقناعه بالتخلي عن حركة الجهاد والمقاومة. وتكشف صحيفة (الوطن) الصادرة عن "جمعية عمر المختار" في عددها رقم (142) الصادر في 21 من سبتمبر/أيلول 1948 (أيام الإدارة البريطانية في برقة) عن محاولةٍ قام بها المدعو (عبود بك أبو راشد) في عام 1925 عندما كان يشغل منصب ترجمان لدى السلطات الإيطالية حيث بعث برسالةٍ طويلة للسيد عمر يدعوه فيها بأن يترك الجهاد ويستسلم للإيطاليين. تقول صحيفة "الوطن" عن هذه المحاولة[4]:



"وقد بعث أبو راشد المذكور بتاريخ 15 سبتمبر 1925 من مقرّه بخوَلان (الجبهة الشرقية من برقة) برسالةٍ طويلةٍ إلى السيد عمر المختار ينصحه فيها بأن يترك الجهاد ويستسلم للإيطاليين بحجة أنّهم دولة قوية لا يمكن قهرها ولأنَّ البلاد قد تكبَّدت من جرّاء ذلك تعباً وخسائر جسيمة إلى آخر ما جاء في تلك الرسالة، وقد ردَّ البطل الشهيد على ما جاء في تلك الرسالة بما يصوّر قوة إيمان هذا القائد العظيم. وهانحن نروي للقرّاء نبذاً متفرّقة من رسالة السيد عمر المختار، وفي معانيها المقصودة ما يغني عن النظر في تركيبها اللفظي ...



قال طيَّب الله ثراه:



1- قولكم إنّكم من حين قدومكم لهذا الوطن وأنتم باذلون النصيحة لأبناء جنسكم وأنَّك عربي ... فالنصيحة التي تؤدّي إلى الركون للعدوّ لا حاجة لنا بها فنحن متوكّلون على الله لأنَّ قوة الإيمان يتلاشى في جانبها كلّ مدد. قال الله تعالى في كتابه المبين (إنَّ الله مع المتَّقين).

2- وقولكم من جهة تعب الوطن وأهله فنحن عارفون مقصدنا، فمن عرف ما قصد هان عليه ما وجد.

3- وقولكم أنَّ حكومتكم لا تقصد للعرب إلا الشرف فالذي رأيناه نحن بخلاف ذلك. عاينا ذلك معاينة، فكلّ إنسانٍ له شرف وحصل تحت سيطرتهم لمجرّد أقوال واهية تنسب إليه من عدوٍّ أو واشٍ يسجن ويبعد عن أهله ووطنه أعواماً بدون مخابرة إذا أحسنوا إليه يترك بزوايا الإهمال وتحت مواطئ النعال أفهذه الأفعال أفعال حكومة لها شرف (لا والله) وكل ما ذكر لك لا تتحمّله نفس عربية ولا ذوو الشيم الزكيّة وقد نهانا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز قال: (ولا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسكّم النار ).

4- وقلتم تعتقدون أنَّكم قادرون أن تبعدوا هذه الحكومة من هذه المقاطعة لتحكموا مكانها فالقادر هو الله ولسنا نحن طالبين شيئا يستحيل علينا بحول الله وقوته فلتعلم أنَّ حكومتك هذه لها مدّة خمسة عشرة سنة وهي آتية لخيط طرابلس وتحارب فيه والقوة التي أتت بها في أول الحرب الآن ليس عندها منها العشر. والوطن من أول الحرب لم يستعن بإعانة خارجية إلا من الوطن نفسه وبعون الله وقوته إلى الآن مكدّرون صفو جنود إيطاليا في جميع نقطهم. ورجال الوطن لا يتركونهم بحول الله وقوته حتى يطهروه من أدرانهم أو يضحوا عن آخرهم لا سمح الله وذلك هو مرامهم التضحية في سبيل الله والوطن."



ومن المعروف، وكما سنرى، فقد ضيَّق العدو الإيطالي الخناق على المجاهدين في برقة، وبخاصّة منذ تعيين (بادوليو) والياً على طرابلس وبرقة في شهر يناير/كانون الثاني 1929 ووصول (غراتسياني) إلى بنغازي في 27 من مارس/آذار 1930. لقد أدّت الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإيطالية حينذاك إلى أن أصبح سي عمر ورفاقه من المجاهدين معزولين عزلةً تامَّة من غير تموين أو ذخيرة أو أموال أو شبكة معلومات محلية ..

ينقل الرحالة (كنود هولمبو)[5] عن أحد المجاهدين في يناير/كانون الثاني 1920 قوله في وصف حالتهم:



"عددنا ينقص كلَّ أسبوع، قرانا ونجوعنا تدمَّر بهجمات الجيش وغارات الطائرات ونساؤنا أسِرْنَ وأخِذن منَّا، ماذا نستطيع أن نفعل ضدَّ أسلحة العدو الشيطانية .."[6].



ويورد الدكتور رفعت عبد العزيز سيد أحمد في كتيّبه "عمر المختار من خلال الوثائق الإيطالية"[7] فقراتٍ من رسالةٍ بعث بها عمر المختار إلى أحد أصدقائه في مكَّة جاء فيها:



"إنّ المجاهدين يعانون من نقصٍ في كلِّ شيءٍ ضروري للحرب، ضدَّ عدوٍّ يمتلك كلَّ شيءٍ حتى الطائرات، وإنَّه لكي يقاوم المجاهدون فإنّهم لا يملكون إلا صبرهم ..".



ورغم تلك الظروف البالغة الصعوبة فقد أصرَّ عمر المختار على البقاء في أرض الوطن وعدم مغادرته وكان يقول:



"لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربّي والموت أقرب إليَّ من كلِّ شيءٍ فإنّي أترقّبه بالدقيقة".



كان كثير الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى:



"اللهم اجعلْ موتي في سبيل هذه القضية المباركة ..".



وعندما عُرِض عليه أن يترك ساحة الجهاد، وأن يذهب إلى قضاء فريضة الحج، ردَّ على من جاء يعرض عليه هذا الأمر قائلاً:



"لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربّي، وإنَّ ثواب الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة" [8] .



وحتى بعد أن يقع الشيخ عمر أسيراً في أيدي الإيطاليين خلال معركةٍ بالقرب من (سلنطة) بالجبل الأخضر يوم 11 من سبتمبر/أيلول 1931 ويقف مكبَّلاً بقيوده في مواجهة الجنرال الإيطالي السفاح غراتسياني لم يتردّد في التعبير عن موقفه الموغل شموخاً وكبرياءً وثباتاً على المبدأ قائلاً:



"أودُّ أن أؤكِّد لكم أنَّنا قد أقسمنا اليمين بأن نموت جميعاً واحداً واحداً ولن نستسلم .. بينما أنا شخصياً كعمر المختار لم ولن تحدّثني نفسي في أيِّ فترةٍ كانت من الزمن ماضيةً أو حاضرة بأن أحضر عندكم وبمحض إرادتي أطلب الاستسلام، وهذه حقيقة لا يتطرَّق لها أدنى شكّ .."[9].



وقد يتصوّر البعض أنّ موقف الشيخ عمر في مواجهة العدو الإيطالي كان نتيجة خطأ في حساباته وتقديراته لمآل المعركة مع العدوِّ وأنَّه ربَّما كان يتوهّم –بسبب ذلك الخطأ- إمكان انتصاره عسكرياً على عدوِّه .. ويعبِّر غراتسياني عن تصوّر هؤلاء فيسأل سيدي عمر أثناء تلك المواجهة المشهودة ..



"هل كنت يا عمر المختار تأمل خلال محاربتك لنا أنَّك تستطيع في يومٍ من الأيام أن تطردنا من برقة بعد أن تشنَّ علينا حرباً طاحنة تقودها بتلك القلَّة من الرجال وضآلة العتاد الذي تملكه؟ وهل كنت تأمل في شيءٍ مثل هذا؟"



فيردّ عمر المختار على غراتسياني وعلى غيره ممّن يسألون مثل هذا السؤال في أيّة مواجهةٍ مماثلة وغير متكافئة عددياً ومادياً بين الخير والشر والحقّ والباطل، قائلاً ..



"كلا .. هذا مستحيل ..""



إذن لا أوهام ولا حسابات ولا تقديرات خاطئة لدى سيدي عمر حول عدم تكافؤ القوتين أو حول مآل المعركة .. ويحتار غراتسياني مثل أشباهه الذين عرفهم تاريخ ليبيا وتاريخ البشرية، ويعود ليسأل الشيخ عمر ..



"ماذا كان غرضك إذن؟ وماذا كنت تبغي؟!"



ويجيب الشيخ المجاهد عمر المختار سائله بسجيّةٍ جهاديةٍ عالية وبروح مقاومةٍ جبّارة ..



"لا شيء غير الجهاد .. كنت مجاهداً وكفى .. والباقي يترك ليد القدر .."[10].



إذن فقد كان فعل الجهاد والمقاومة بالنسبة لسيدي عمر ورفاقه الميامين – كما كان لكواكب المجاهدين ومواكبهم عبر تاريخ أمَّتنا المديد وسيظل – مسألة مبدأ وواجب، جاء الأمر به من السماء وأملاه حب الوطن وزكّته أعراف الرجولة وتقاليد الفروسية الحقَّة .. ولم يكن مسألة حسابات أو مرهوناً بتقديرات الربح والخسارة أو الهزيمة والنصر.



أمَّا الصفة الثانية التي تستوقف القارئ لسيرة عمر المختار وجهاده فهي انضباطه الحركي والتنظيمي المتميّز وولاؤه الشديد للحركة السنوسية ولقادتها وهو ولاء لم يعرف التردّد أو التوقّف.[11]



ويكفي للتدليل على هذا أن نشير إلى عددٍ من المواقف والوقائع والوثائق ..



يذكر محمد الطيِّب الأشهب في كتابه "عمر المختار"[12] أنّه أثناء زيارة السيد عمر المختار لمصر في شهر مارس/آذار عام 1923 حاول جماعة من أبناء قبيلته (المنفة) المقيمين بمصر أن يقابلوه للترحيب. فاستفسر المختار قبل أن يأذن لهم بذلك عمَّا إذا كانوا قد سعوا لمقابلة الأمير إدريس عند وصوله (في شهر يناير/كانون الثاني 1923) إلى مصر، فلمَّا علم من إجابتهم أنَّهم لم يقوموا بذلك الواجب لأسبابٍ عائليةٍ قهرية رفض سي عمر مقابلتهم قائلاً:



"وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي، وأنتم الذين تركتم شيخي الذي هو وليّ نعمتي وسبب خيري (يقصد الأمير إدريس)؟! .. أمَّا وقد فعلتم ذلك فإنّي لا أسمح لكم بمقابلتي ولا علاقة من الآن بيني وبينكم .."



وقد مرَّ بنا ما ورد في ردّه على السلطات الإيطالية عندما حاولت عن طريق بعض عملائها أن تستميل سي عمر وتجعله يقلع عن فكرة القيام في وجهها .. لم يتردّد المختار في تذكير هؤلاء العملاء ومن أرسلهم ..



"..إنّني أعرف أنَّ قيمتي في بلادي، إذا كانت لي قيمة أنا وأمثالي، فإنَّها مستمدَّة من السنوسية .."[13]



فأيّ تواضعٍ .. وأيّ ولاء وأيّ انضباطٍ تنظيمي وحركي رائع يعبّر عنه هذا المجاهد العظيم !!



وهناك واقعة أخرى أشار إليها المؤلف ذاته تقدّم شاهداً آخر على الولاء الشديد الذي ظلَّ عمر المختار يكنّه لقيادتها السنوسية المتمثّلة في الأمير إدريس. فقد حدث أن أكرهت الحكومة الإيطالية أحد رجال الحكومة السنوسية (الشارف الغرياني) وجعلته يرسل في عام 1925 م رسالة إلى السيد عمر المختار يدعوه فيها إلى إيقاف الحرب مع الطليان والصلح معهم .. فردّ عليه المختار برسالة مؤرخّة في 13 ربيع الثاني 1344 هـ كان من بين ما جاء فيها:



".. نعلمكم أنّ إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أيّ موضوع تعتقد أنَّه يهمّها ويهمّنا فما عليها إلا أن تتصل بصاحب الأمر ومولاه سيدي السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدي بن السيد محمد السنوسي رضي الله عنهم جميعا، فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه .... وأمّا أنا وبقية الأخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لا نعصي له أمراً، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن لا يقدّر علينا مخالفته فنقع فيما لا نريد الوقوع فيه، حفظنا الله وإيَّاكم من الزلل. نحن لا حاجة عندنا إلا مقابلة أعداء الله والوطن وأعدائنا، وليس لنا من الأمر شيء، إذا ما أمرنا سيدنا ووليّ نعمتنا رضي الله عنه ونفعنا به بوقف القتال نوقفه وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به"[14].



ما أروع هذا الولاء وما أعظمه .. وما أعظم هذا الانضباط والالتزام .. وممَّا يزيد الأمر روعةً وعظمة أن يصدر عن عمر المختار الذي تحوَّل في تلك الآونة إلى أسطورةٍ من الشجاعة والبطولة والجهاد .. لم يُغرِه أيٌّ من ذلك أن يتطاول على قيادته السنوسية أو يزايد عليها حتى وهي بعيدة عن الواقع الصعب الذي كان يحياه ويكابده هو ورفاقه المجاهدون.



وممَّا يزيد ولاء عمر المختار للأمير إدريس السنوسي نصاعةً وروعةً وعظمة أن يكون ويبقى على هذا النحو الذي أشرنا حتى وهو يرى كما عبَّر لمحمد أسد[15] أثناء لقائه به في الجبل الأخضر ..



"إنَّ السيد إدريس رجل طيّب، إنَّه ولد طيب لوالدٍ عظيم، ولكنَّ الله لم يعطِه قلباً يمكّنه من تحمّل مثل هذا الصراع".



فبالرغم من هذا التقييم من جانبه لشخص الأمير إدريس، والذي قد يكون محقاً فيه، إلا أنَّه لم يجد في ذلك ما يبرّر له –أي لسيدي عمر- أن يتطاول على الأمير إدريس أو أن يخرج عن طاعته وولائه له .. فأيًّ درسٍ عظيم يقدّمه هذا الفارس الجليل في الجهاد وفي السياسة وفي الحركة والنضال! رحم الله سي عمر ورفاقه المجاهدين وجزى الله الحركة السنوسية التي ترعرعوا في مدرستها كلَّ خير.

- من كتاب دولة الاستقلال، ما لها وما عليها


..
[/c]