زارني صديق لي كان قد سافر لإتمام دراسته العليا في بريطانيا فحدثني عنهم العجب في حبهم للقراءة ومما قال لي : ذهبت في أيامي الأولى للدراسة ودخلت قاعة المحاظرات فدخل علينا الدكتور المحاضر وتم التعارف بيننا وكنت الوحيد الغريب بينهم فسألنا الدكتور من ضمن ما سألنا عن هواياتنا فشرق الدارسون في هواياتهم وغربوا فمن قائل هوايتي الكرة ،وآخر هوايته الرقص ،وآخر هوايته الصيد .. ففرحت أنهم لم يذكروا هوايتي المفضلة وأنهم ذكروا أشياء ليست بشيء في نظري .. وحينما جاء دوري قلت وأنا فرح هوايتي القراءة وانتظرت نظرة الإعجاب والتقدير من الدكتور ففاجئني بالضحك والسخرية وليت الأمر اقتصر على الدكتور فقط إذ أن الدارسين أيضا ضحكوا علي فقلت ماشأنهم ؟ وماذا دهاهم؟ ألم يسمعوا ماقلت جيدا فسألت الدكتور علام الضحك من هوايتي؟وهي هواية عظيمة فقال لي بلسان المشفق يا طالب ..القراءة ليست هواية وإنما هي عادة من العادات لا يستغني عنها إنسان مثل الماء والغذاء والهواء..!! فزاد اندهاشي اندهاشا وذُهلت وبدا علي الإحراج من الموقف وتمنيت لولم أكن قلت ماقلت وعلمت لماذا هم متقدمون علينا في الفكر والعلم الدنيوي.. وقال لي أيضا عن خبر أمة الانجليز أنهم لا يكلمون صباحا وهم ذاهبون إلى أعمالهم في المترو أو الحافلات فكل واحد منهم في يده كتاب يطالعه ويقرأ فيه حتى إذا وصل إلى طريق آخر تقلّه حافلة أخرى أغلق كتابه وانتقل إلى الحافلة ثم جلس على الكرسي وفتح كتابه مرة أخرى فالقوم مولعون بالقراءة والكتب . وقال لي أيضا أن بني عجم ينفقون 10%من دخلهم السنوي على الكتاب ويقرأون في المتوسط سنويا 6000صفحة بينما القارئ العربي يقرأ في المتوسط 6 صفحات ما شاء الله .!!!! خرج صديقي من البيت وأورثني حسرة في صدري لاتنمحي ففزعت بآمالي إلى الكذب لعل ما قاله عن بني عجم كذب وما أعرفه عن بني يعرب غير صحيح . وبينما أنا على هذه الحالة الكئيبة زارني طيف خيال من سيرة أسلافنا ومضت في خاطري فرأيت فيها أحد العلماء وهو يطلب من الخياط أن يفصل له جيبا كبيرا حتى يستطيع أن يضع الكتاب فيه فيقرأه في الطريق وفي كل مكان ورأيت أحد العلماء وقد جعل من يقرأ عليه بصوت مرتفع إذا هو دخل الحمام لأنه لا يستطيع وهو على حالته لك أن يقرأ فجعل الغلام يقرأ خلف الباب بصوت مرتفع حتى يستغل وقت دخوله للخلاء ورأيت في الطيف الجاحظ وهو يستأجر دكاكين الوراقين ليلا لينام فيها فيقرأ كل مافيها من كتب حتى إذا أتم مافي الدكان استأجر دكانا آخر وكان يقول عن نفسه:ماوقع في يدي كتاب إلا استوفيته .! وقطع علي الطيف طالب في الفصل يقول يا أستاذ غدا مباراة مهمـة أرجو أن تؤجل الاختبار إلى يوم ثاني حتى نذاكر جيدا ...!!! بقي أن تعلم أنه لما خرج العدد الجديد من رواية هاري بوتر الانجليزية أذِن الآباء لأيناءهم أن يناموا عند المكتبات ليلا وفي الشتاء القارس ليحصلوا على نسختهم قبل أن تنفد فرأوا الناس الخيام الصغيرة وفرش نوم الصغار عند المكنبات .... آهـ .. كفانــي ألما فما عدت أستطيع أن أكتب حرفا واحدا فيالهف نفسي على أمة اقـــــــــــــــرأ ..