شفاه البحر
...وحين تكلمت شفاه البحر ال
ة تعلن عن الوليمة المرتقبة,
زفر البحر زفرة بلغ الروح صداها ومداها..فأدركت أن للبحر رئة يتنفس بها من ثقل المأساة..وأدركت أن للجمادات الساكنة والمتحركة إحساسا ولغة حقيقيين:
إحساسا بما في الوجود,ولغة تعبر عن ذلك الإحساس..
وأدركت الروح أن زفرات البحر ترجمة لأحاسيس كثير من الكائنات..وأن تلك الشفاه حين تكلمت قد نطقت بلسان القدر,واستغاثت بإله الكون..فزأرت بلسان الغيظ,وجأرت بلسان التسبيح..
إيه يا أبا خالد..
لكم لطمت أمواجك وجوه الجبال,وذابت في حياضك تلال الرمال..وتحطمت على كفك السفن والزوارق..
وكم من روح هربت من جسدها حينما أحست بدفء الغضب يتصاعد من بين الأمواج..
ترى..ما له
ا؟
الأن له روحا يحس بها كإحساس ذوات الأرواح؟!
أم لأن من بين ذوات الأرواح من له روح لكن ليس لها إحساس؟!
لكأنما دخلت الروح في الجسد لا ليحيا بها,ولكن ليكون لها قبرا له صلاحية ذات أمد محدود..فأحس البحر بما فيه من الحياة أن الموت خير لكثير من الأجساد..وهناك أعلن عن الوليمة!
أتيت فبدأت حياة جديدة..وغنت الروح فقالت:
إذا احترق الليل عند الشفق
وأورى زناد الهوى والقلق
وطار جناح النهار أسى
وعس هلال الدجى واتسق
فقل للنجوم على مسرحي
أسيلي على وجنتي الألق
وقل للكواكب لا تعجبي
إذا ابتسم الفجر عند الغسق
فروحي ترف على كوكب
جرى طربا وسرى في الأفق
لنسأل الصبح حين ابتسمت شفته:أكان ذلك ابتسام الخلاص أم ابتسام اللقاء؟
ولنسأله أيضا,عما جرى في العالم الليلي المليء بالهمسات؟
ولنسأله ماذا قالت الروح حين ودعتها الشمس وانطفأ مصباح الحياة؟
لليل آهات وزفرات..ولكل روح آهة وزفرة..
فللعابدين إيمانهم..وللبائسين أحزانهم..وللعاشقين أشجانهم
فكم روح رفت حين سكن الليل..
وكم روح أشرقت حين أظلم الليل..
وكم روح اشتعلت حين احترق الليل..
أيها الليل الذي يغط على جميع الأرواح,أتراك تركتها تغط بعد أن ألقيت عليها رداءك الدافئ؟!