عرض مشاركة واحدة
قديم 27-08-10, 11:05 pm   رقم المشاركة : 32
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة السابعة عشرة : الكافي هو الله وحده لا شريك له .

قال الله تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}
(62) سورة الأنفال
وقال تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
(64) سورة الأنفال .
كلمة
( حَسْبُكَ ) معناها : يَكْفِيكَ , كما تقول العرب : حسبك درهم , أي يكفيك درهم , والكفاية هنا في الآيتين هي كفاية النصرة والتأييد والحفظ والتمكين , وهذه الكفاية خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيها أحدٌ غيرُه سبحانه , ولذلك قال تعالى : ( فإنَّ حَسْبَكَ الله ) ولفظ الجلالة هنا خبر إنَّ وهو في الأصل مسند إليه , وتأخير المسند إليه يفيد الحصر , كما تقول : القادِمُ محمد , أي لا قادمَ إلا محمد , وكما قال تعالى : {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}
(196) سورة الأعراف , أي : لا ولِيَّ لي إلا الله تعالى .
والحسْبُ ( بمعنى الكفاية ) جاء في القرآن مسنداً إلى الله تعالى وحده لا شريك له ؛ إذ لا كافي إلا الله , ولا ناصر إلا الله , وكفي بالله وليا وكفى بالله نصيراً , ومن ذلك قوله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
(173) سورة آل عمران
فالمؤمنون هنا : قالوا : حَسْبنا الله , ولم يُشركوا معه أحداً في الكفاية سبحانه , قال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .
رواه البخاري .
وقال تعالى :
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
(129) سورة التوبة
فالله تعالى يأمر نبيه أن يسلم أمره إلى الله وحده , وأن يعلن أنه لا كافي له ولا ناصر إلا الله تعالى ( فَقُلْ : حَسْبِيَ اللّهُ ) .
وقال تعالى :
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
(38) سورة الزمر
إعادة أخرى لتكرار هذه الكلمة العظيمة ( حسبي الله ) وهو وحده جل جلاله الكافي والنصير .
وقال تعالى :
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
(3) سورة الطلاق , أي لا كافي له إلا هو جل جلاله .
وهذا المعنى العميق بإسناد الكفاية والنصرة إلى الله تعالى وحده لا شريك له , يربي ربنا عباده عليه , ويذكرهم به وأنه لا ناصر لهم إلا الله , فيقول سبحانه :
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران , بل ويعنف سبحانه المنافقين بعد غزوة تبوك حينما لم يسندوا الكفاية إلى الله وحده , ولم يرضوا بما قُسِمَ لهم فقال سبحانه : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}
(59) سورة التوبة .
فتأمل معي – رعاك الله – كيف نسب العطاء والإيتاء إلى الله ورسوله مرتين :
(مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ )
؛ لأن الله تعالى هو المعطي الحق , ورسوله صلى الله عليه وسلم القائم بأمر ربه , المعطي بما عنده من الله .
أما الحسْبُ والكفاية فهي من الله تعالى وحده لا شريك له , ولذلك قال :
(وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ ) .
وهذا المعنى الذي قررناه هنا في إسناد الحسب والكفاية لله وحده يبين لنا وهْمَ بعض النحويين في إعراب قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال , فأعربوا : ( ومَنْ اتبعك ) بأنه معطوف على لفظ الجلالة , والمعنى أن الله سبحانه يكيفك , والمؤمنون كذلك يكفونك .
وهذا المعنى غير صحيح إطلاقاً , فهو وإن صح نحوياً إلا أنه لا يصح معنىً كما قرره القرآن الكريم , والقرآن يفسر بعضه بعضاً , فالكافي هو الله تعالى وحده لا شريك , كما أسلفنا من الآيات البينات , وكما قال تعالى : {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}
(17) سورة الأحزاب .
والإعراب الصحيح للآية : أن يكون ( مَنْ ) معطوفاً على ( الكاف في حسبك ) فيكون في محل خفض , أي حسبك الله وحسب من اتبعك , ولكن يعتري هذا الإعراب مشكلة نحوية أخرى , وهي مسألة عطف الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض , ويمكن أن نتلافى هذا الإشكال بأن يكون العطف من باب عطف الجمل , ويكون ( مَنْ ) في محل نصب مفعولاً به لفعل محذوف دل عليه ما قبله والتقدير : حسبك الله , ويكفي من اتبعك من المؤمنين
. [ انظر : التبيان في إعراب القرآن للعكبري : 631 ] .
وأي إعراب اخترنا فهو أحسن من أن نجعل ( مَنْ ) في محل رفع عطفاً على لفظ الجلالة ؛ لأن المعنى لا يستقيم كما أسلفنا , والإعراب فرعُ المعنى كما أن المعنى فرع الإعراب .
ولا نقول بعد هذا إلا كما قال المؤمنون المتقون : حسبنا الله ونعم الوكيل , ولو طبقنا هذا المعنى العظيم في حياتنا , وفوضنا أمرنا إلى الله تعالى لأصبحنا من عباد الله المقربين , واقتدينا بعباد الله وأنبيائه :
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (11) {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }
(12) سورة إبراهيم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


17 / 9 / 1431 هـ






رد مع اقتباس