فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاثليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودعأطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ....
وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصرنادى في المدينة :
الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ،واجتمع الناس ، وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر ، قال عمر: أين الرجل ؟ قال : ما أدري يا أميرالمؤمنين!
وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ،وكأنها تمر سريعة على غير عادتها وسكتالصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله. صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ،لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب بها اللاعبون ولا تدخل في
الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف وعلى أناس
دون أناس ، وفي مكان دون مكان...وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ،وكبّرالمسلمونمعه
فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك وما
عرفنا مكانك !!
قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل.. وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟
فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس
فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟
قالا وهما يبكيان : عفونا عنه
يا أمير المؤمنين لصدقه..وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !
قال عمر : الله أكبر ، ودموعه
تسيل على لحيته ....
جزاكما الله خيراً أيها الشابان
على عفوكما ،
وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ
يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته
، وجزاك الله خيراً أيها الرجل
لصدقك ووفائك ..
وجزاك الله خيراً يا أمير
المؤمنين لعدلك و رحمتك....
قال أحد المحدثين :
والذي نفسي بيده ، لقد دُفِنت
سعادة الإيمان والإسلام
في أكفان عمر!!.
المصدر/المؤلف: جيل لن يتكرر - عائض القرني